دروس وعبر من سيرة خير البشر
دروس كثيرة ومتداخلة وعجيبة أحداث هذا الزمان للدرجة
التي تجعل المرء في حيرة من أمره أمام ما يجري على الأرض من تداخل عجيب وغريب
وتناقضات مريبة جعلت الناس سكارى وما هم بسكارى
وأخص بالذكر هنا ما يجري في الشرق
الأوسط والوطن العربي من اقتتال وهرج ومرج ونحر وتكفير وصراع دولي و إقليمي
ومخابراتي تتداخل فيه المخططات وتتقاطع فيه المصالح والمطامع ففرقاء الأمس أصبحوا حلفاء اليوم
والظالم أصبح مظلوما والمغتصب
والمحتل أصبح صاحب الحق.
وياللعجب!
فمن كان يتصور أن يخرج من أجيال العرب والمسلمين من يصفق
للكيان الصهيوني المسخ وهو يدمر ويقتل ويفجر وينتهك كل الأعراف الإنسانية
والقوانين الدولية فتخرج المظاهرات من أقصى الأرض تأييدا لأهل غزة المنكوبين والمظلومين
في أمريكا الجنوبية وفي أوربا ضد آلة الحرب الصهيونية المدمرة وما إن
تلتفت برهة للدول العربية المخذولة إلا وتجد الصمت المطبق أو التآمر من تحت
الطاولات العبرية باللغة العربية ثم تجد هذه العبارة المقززة تخرج من بعض الحناجر الصدئة(
أن حماس وأهل غزة هم السبب في ما جرى
عليهم وأن إسرائيل تدافع عن نفسها).
وتجد نفس هذه العبارة يرددها الإعلام الصهيوني والإعلام العربي اسما
والعبري مضمونا ومادة وسياسة
فيتلقف الحمقى والجهلة هذه السموم
وهذا العفن الفكري الذي تبثه آلة (الإعلام العبريعربية) وتم طمس فكرة أن هذا كيان صهيوني مسخ
ومحتل وأن أهل فلسطين لهم الحق الكامل والمقدس في استعادة أراضيهم وتحريرها وأصبحت قيم الكرامة والتحرير والتضحيات مجرد شعارات يسخر منها
أصحاب العقول المغسولة بصابون التمييع الصهيوني والتيارات الإلحادية التي زرعها اليهود
في المجتمعات العربية والإسلامية حتى أصبحت واقعا ليقبل النقاش ولا التغيير.
الحقيقة أن الحديث عن هذا الموضوع وتفصيلاته وتداخلاته ذو شجون ويحتاج إلى
العودة بالزمن إلى الخلف وشرح دور المنظمات الصهيونية وبريطانيا واليهود
ومؤامراتهم على العرب والمسلمين قبل نشأة الكيان الصهيوني المحتل.
ولذلك سنؤجل الحديث عنه الآن؛
وسننتقل إلى رحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت
عليهم الصلاة والسلام حتى تشرق أرواحنا بسيرهم الزكية وأقوالهم الندية وقيمهم ومعجزاتهم وجمالهم القدسي حتى يكون
لنا دافعا روحيا ومعنويا وإيمانيا لكي تفيض قلوبنا بذكرهم ونملأ جوانحنا
بتعاليمهم وقيمهم وإرشاداتهم التي تفيض شجاعة وطهرا وإقداما وجمالا.
ولا أجد حقيقة أجمل ولا أرحب ولا أعظم ولا أزكى من واحتهم التي
نستظل بظلالها من لهيب الدنيا وظلمها وكدرها فتهدأ النفوس وتسمو الأرواح بذكر الله وذكر رسوله وأهل البيت
عليهم صلوات الله وسلامه إلى يوم الدين ودعونا نبحر سوية لنستمتع بهذه الحوادث
والسير التي هي المركز الكوني لاستقاء التعاليم الإنسانية العالمية و القيمية على
مر العصور وسنذكر ما جرى بعد فتح مكة تحديدا. وسأحاول الاختصار قدر الإمكان حيث جرت
حادثتان هي من أعظم الحوادث على مر التاريخ لأنها رسخت وأسست لأعظم القيم وأسمى
التعاليم المقدسة النبوية العلوية فبعد أن حقق الله وعده لنبيه وفتح له
فتحا مبينا ودخل مكة فاتحا بتأييد الله ونصره
كان قد أهدر دماء بعض المشركين
والكفار الذين غضب الله عليهم وتوعدهم وأمر رسول الله أصحابه بقتلهم ولو تعلقوا
بأستار الكعبة لما قاموا به من جرائم شنيعة
وقد حدثت حادثة جميلة جدا وطريفة
بين الإمام علي عليه السلام وأخته أم هانئ
حيث دخل ذات مرة بيتها فوجد عندها
إثنان ممن أهدر رسول الله دمهما وقد استجارا بها خوفا من المسلمين وعندما رآهما
الإمام عليه السلام أراد قتلهما إنفاذا لوصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
وطاعة لأوامره فحالت أم هانئ بينه وبين الرجلين فرفع الإمام سيفه ليقتلهما فأمسكت
بيده حتى انتزعت السيف وهرب الإثنان ودخلا بيتا وأغلقت عليهما الباب، وقالت:
بيني وبينك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذهبا إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعندما أقبلت أم
هانئ رحب بها الرسول وسألها عن حالها فأخبرته بما جرى بينها وبين الإمام عليه
السلام فضحك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأبي هو وأمي، وقال: قد
أجرنا من أجرت يا أم هانئ، ثم دعا بالإمام فلما أتى قال الرسول وهو يضحك : غلبتك
أم هانئ ؟
فرد الإمام قائلا : والذي بعثك
بالحق نبيا لا قدرت على أن أمسك السيف حتى خلصته من يدي. ههههههههه
فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : لو أن أبا طالب ولد الناس كلهم لكانوا أشداء أقوياء، الله
أكبر ما أعظمهم وما أكرمهم وما أرحمهم ونستخلص هنا أعظم العبر في العطف والرحمة
والتسامح مع النساء وصلة الرحم فهاهو الإمام علي عليه السلام الذي كان يلقى الجيوش
والصناديد ويرد الكتائب لوحده ويجندل الأبطال والفرسان ويقاتل الجن والإنس فيهزمهم
شر هزيمة، أقول كيف كان سهل الخليقة رحوما على أخته فلم يشدد عليها ولم يستعمل
قوته الملائكية ضدها وهو الذي اقتلع باب خيبر وصرع مرحب وعمرو بن عبد ود الذين
يعدلون جيشا كاملا، ما أعظمه وكيف تسامح الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مع الاثنين من بني
مخزوم الذين أساؤا له وأجرموا تقديرا لابنة عمه أبي طالب الذي كفله وأيده وأحبه،
أم هانئ التي لجأت إليه وأجار من أجارت لكي تترسخ قيم المروءة والشهامة وحفظ
المستجير بين العرب والمسلمين وعدم التحقير من شأن المرأة والمساهمة برفع شأنها وليس كما
يروج أصحاب التيارات المنحرفة بأن الإسلام ضيق على المرأة وحط من قدرها.
والعبرة الأهم التي نستخلصها من هذه الحادثة هي المكانة
العظيمة لبني هاشم وعبدالمطلب وكيف يستجير اثنان من بني مخزوم بامرأة
من بني هاشم مع أن بني مخزوم من أعرق وأنهد قبائل قريش
وقد امتد تسامح رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم مع أهل مكة وقريش وسامحهم وعفى عنهم
وقد صدق صلى الله عليه وآله وسلم
عندما قال أنا الرحمة المهداة وكيف لا وقد شهد له الله بالخلق العظيم سبحان من
كونه وخلقه وجعله منبعا للرحمة في الكون كله.
وأما الحادثة الأخرى؛
فقد كانت بينه وبين
وصيه عليهم الصلاة والسلام فيها من العبر والمعجزات ما الله بها عليم ولا لم تكن لأحد غير
رسول الله ووصيه عليهم الصلاة والسلام حيث قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم
ذات ليلة للإمام علي عليه السلام انطلق بنا نلقي هذا الصنم عن البيت
وكان الرسول يقصد صنم خزاعة الذي
كان فوق البيت وعندما وصلوا عند الكعبة. قال الرسول : يا أبا الحسن ارق ظهري حيث كان
ارتفاع الكعبة أربعين ذراعا، فقال الإمام علي إجلالا لرسول الله : يا رسول الله ، بل ترق
على ظهري فأنا أولى بذلك وأحق بحملك فكانت هذه الكلمات الخالدة العظيمة التي
تدل على أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا يعادله أحد بإيمانه وعظمته وهو منبع الآيات
المبهرات فقال الرسول : يا علي ، إنك لن تقدر على حملي ولو اجتمعت
الأمة على أن تحمل مني عضوا ما قدرت للإيمان الذي هو في قلبي.
وأنا وقلمي نقول؛ نعم ورب الكعبة يا رسول لو اجتمعنا من
أولنا إلى آخرنا واجتمعت الجن والإنس لن يقدوا لأنك مبعوث الرحمة والإيمان
الإلٰهي.
ثم حمل الرسول الإمام علي عليه السلام، وقال : انتهيت يا علي؟ فقال
الإمام عليه السلام بعد أن أحس بأنه قد ارتفع فوق المجرات والكواكب بفضل عظمة من
يحمله ، فقال كلمته الخالدة : والذي بعثك بالحق نبيا لو هممت أن أمس السماء بيدي لمسستها ثم أخذ الصنم وأسقطه وجلد به على الأرض كما كان يسقط الفرسلن
فتكسر وتقطع إربا ثم تعلق بالميزاب تعظيما وإكبارا لرسول الله ورمى بنفسه أرضا وبعد أن
وقع على الأرض أخذ الكرار يضحك عليه السلام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :مالذي يضحكك ياعلي أضحك الله سنك؟ فقال
الإمام عليه السلام : ضحكت يارسول الله تعجبا من أني رميت بنفسي من فوق البيت إلى
الأرض وما ألمت وما أصابني وجع. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
:وكيف تألم أو يصيبك وجع إنما رفعك
محمد وأنزلك جبريل. الله أكبروسبحان الله؛ الإمام علي يحمله سيد البشر والكائنات وينزله
جبريل عليه السلام ياله من شرف ملائكي لايعدله شرف
والذي نفسي بيده لو لم يكن للإمام
إلا هذه الشهادة وهذا الشرف لكفاه ذلك بأن يكون سيدا وإماما ووصيا متربعا على رؤوس
البشر وعلى عروش القلوب عليه الصلاة والسلام
كيف وقد شهد له جبريل في أحد وقال
لافتى إلا علي ولاسيف إلا ذو الفقار وافتخر بأخوته للرسول ووصيه عليهم
الصلاة والسلام أجمعين كيف لا وهو زوج الزهراء البتول وبضعة الرسول وسيدة نساء الجنة
وأولاده أسياد الجنة ورسول الله صهره وابن عمه
وحمزة سيد الشهداء عمه وجعفر
الطيار أخوه وفي أبيات تنسب للإمام علي عليه السلام؛
محمد النبي أخي وصنوي :: وحمزة سيد الشهداء عمي
وجعفر الذي يضحي ويمسي :: يطير مع الملائكة ابن أمي
وبنت محمد سكني وعرسي :: منوط لحمها بدمي ولحمي
وسبطا أحمد ولداي منها :: فأيكم له سهم كسهمي
سبقتكم إلى الإسلام طرا :: على ماكان من فهمي وعلمي
فأوجب لي ولايته عليكم :: رسول الله يوم غدير خمِّ
فويل ثم ويل ثم ويل :: لمن يلقى الإلٰه غدا بظلمي
ويا لها من سمات تفرد بها هذا الإمام العظيم ويا لها من
مرتبة ويا له من نسب وقرابة قدسية نورانية.
قال الله تعالى: "أفمن كان على بيّنة من ربه ويتلوه شاهد
منه"، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو المقصود بأنه على بيّنة من ربه
والإمام علي عليه السلام هو الشاهد الذي يتلوه.
وقد روى أبو ذر رضوان الله عليه
أنه سمع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه يقول :"علي أول من آمن بي وأول من
يصافحني يوم القيامة وهو يعسوب المؤمنين وهو الصديق الأكبر وهو الفاروق يفرق بين
الحق والباطل". ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وآله
وسلم" :علي مني وأنا منه". ومن ضمن رد
ابن عباس على الشامي الناصبي أنه قال :"أن الله أوحى إلى نبيه صلى الله
عليه وآله وسلم أن زوج عليا عليه السلام فاطمة عليها السلام فإني قد زوجته منه فإن الله
قد أمر شجرة في الجنة يقال لها طوبى أن احملي فحملت
ثم قال لها أثمري فأثمرت ثم قال لها
انثري ، فنثرت درا كأمثال القلال فالتقطته حور العين فهن يتفاخرن به إلى يوم القيامة يقلن : هذا
نثار فاطمة بنت محمد عليها السلام".
وهذا نثار قلمي قد تشرف بذكر أسياد الجنة الرسول و عترته
الزكية عليهم صلوات ربي وسلامه ورحماته وبركاته إلى يوم الدين قلمي يعتذر
إلي وإليكم لأنه لن يستطيع أن يصف غبرة تعلقت في قدم رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم و عترته الزكية القدسية ناهيكم عن شخصيته ولو اجتمع الأدباء والمفكرون والفلاسفة وجهابذة الفكر لما
استطاعوا أن يصفوا مقدار حبة من خردل من قدر وعظمة وسمو وقدسية رسول الله وأهل
بيته الطيبين الطاهرين عليهم صلوات الله وسلامه.
اللهم أحشرنا في زمرتهم الزكية وانصر المستضعفين والمجاهدين
وأهل الرباط على اليهود في أرض فلسطين المباركة التي أسريت بسيد الأنبياء
والمرسلين إليها وقلت وقولك الحق" :سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد
الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير".
وصلّى الله على المصطفى المختار
ووصيه الحيدرة الكرار صاحب ذو الفقار
وعلى الزهراء سر الأسرار ومنبع الأنوار
وعلى السبطين الأطهار والذرية الأبرار
وبارك وسلم تسليما كثير مااختلف الليل والنهار وتعاقبت الأدوار
والأكوار صلاةً أبدا سرمدا وتسليما زكيا أزليا.
حمدان آل مخلص