رائحة التفاح وعلوم العترة المطهرة
من منا لايعرف سيبيويه؟
هذا العَلَم الذي فاقت شهرته الآفاق وعبرت الأزمنة والقرون الطويلة حتى أصبح علامة فارقة في علوم العربية والنحو ولايكاد يذكر هذا اللقب الجميل إلا ونستذكر اللغة والذكاء والعبقرية الفذة.
وحقيقة أنني في هذه العجالة لن أستطرد كثيرا حول حياته وإنما هي خاطرة جنحت في الوجدان فأردت أن أشارككم بها وجمحت بي الرغبة لأمتطي صهوة القلم ليخط لنا شذرات من سيرة هذا الأديب العلامة الذي كان أول من وضع وبسط قواعد اللغة وجمعها في كتاب واحد جامع مانع صار مرجعا لأصحاب الصنعة وأرباب اللغة والنحو على مر العصور.
فاستحق لقب إمام النحاة دون منازعة ولامنافسة وقد بزّ الأقران ومن أتى من بعده حتى يومنا هذا وحتى كتابه الذي تركه بعد رحيله كان بلا عنوان وأخرجه للنور من بعده تلميذه الأخفش وسمي كتاب سيبويه الكتاب لشهرته وذيوع صيته ولبراعة ماصاغه سيبويه وجمعه لفنون النحو والصرف وإحاطته بها حتى صار الكتاب معلما من المعالم الحضارية والفكرية للأمة الإسلامية ولغة الوحي. وكان له لقب عظيم وهو قرآن النحو لشدة إتقانه وانبهار أهل الصنعة والنحاة بهذا الكتاب الأعجوبة وقد نقل المفكر والأستاذ الكبير شوقي ضيف في كتابه المدارس النحوية عبارة رائعة عن صاعد الأندلسي عن كتاب سيبويه قال فيها "لا أعرف كتابا أُلف في علم من العلوم قديمها وحديثها فاشتمل على جميع ذلك العلم، وأحاط بأجزاء ذلك الفن غير ثلاثة كتب، أحدها المجسطي لبطليموس في علم هيئة الأفلاك والثاني كتاب أرسطوطاليس في علم المنطق، والثالث كتاب سيبويه البصري النحوي فإن كل واحد من هذه لم يشذ عنه من أصول فنِّه شيء إلا ما لا خطر له".
وُلد سيبويه في البيضاء في شيراز في فارس عام ١٤٠ هـ على أرجح الأقوال ومات فيها في ١٨٤ هـ
ورغم هذه الشهرة والذكر الخالد فإنه لم يُعمّر طويلا ومات في الثلاثينات من عمره في ريعان الشباب
وقد انتقلت أسرته للبصرة ونشأ بها وطلب في بدايته الحديث عند حماد سلمة حتى حدثت بينهما حادثة طريفة عجيبة كانت هي الشرارة التي قدحت ذهنية هذا العبقري لتحصيل علوم اللغة بإصرار وتحدٍ صارم لنفسه قبل غيره حتى تفوق على كل من ينطق الضاد رغم أصوله الفارسية
وقد أورد ابن النديم البغدادي في الفهرست هذه الرواية
فذات مرة وبينما كان في مجلس حمّاد بن سلمة
ذكر حمّاد حديثا جاء فيه قال
قال صلى الله عليه وسلم: ليس من أصحابي أحد إلا لو شئت لأخذت عليه ليس أبا الدَّرداء
فقال سيبويه ليس أبو الدَّرداء
ظنّه اسم ليس فصاح به حمَّاد: لحنت يا سيبويه، ليس هذا حيث ذهبت إنما هو استثناء
فقال سيبويه: لاجرم والله لأطلبن علماً لا تُلَحِّنَنِّي فيه أبدا
ثم انطلق في رحلة التحصيل والعلم في اللغة والنحو ولزم العالم اللغوي الكبير الخليل بن أحمد الفراهيدي مكتشف علم العروض وصاحب الإبتكارات الأدبية واللغوية العجيبة
وتتلمذ على يديه وكان لايفارقه ويجله ويحبه وكذلك شيخه الفراهيدي كان يحب تلميذه النجيب الأريب العبقري ويبادله الشعور وقد كان يقول لتلميذه مرحبا بزائر لايُمل رغم كثرة مخالطته ومجالسته
ورغم تلقي سبيويه العلم من عدة شيوخ إلا أن الخليل بن أحمد قد كان الفضل الأكبر في صقل مواهبه وإبرازها حتى تسنم أعظم المراتب في عالم اللغة والنحو
ويتضح جليا تأثره بالفراهيدي من خلال مدحه لشيخه في كتابه الوحيد ونقله عنه وكثرة ذكره والإشادة به
ولايفوتني أن أشير إلى أن اسمه هو عمرو بن عثمان بن قنبر الحاري
وأما سيبويه فهي كلمة فارسية جميلة وتعني في العربية رائحة التفاح
وقيل أن أمه هي من أطلقت عليه هذا الوصف وهناك من ذهب أنه لُقب بهذا اللقب لأنه كان شابا نظيفا جميل المحيا أبيض البشرة مشرباّ بحمرة يعتني بهندامه ومظهره باستمرار
وأيا يكن
فقد كان رائحة التفاح رحمه الله أعجوبة زمانه وفريد عصره وماأعقبه من عصور حتى أصبح مضربا للمثل لكل من برع في اللغة
وربما إذا أردنا التندر على أحد ممن يلحن في اللغة ذكرنا لقب سيبويه وكأنه أصبح هو والنحو ولغتنا كيانا واحد لاينفصل
فياللعجب
ولكن الأعجب من ذلك ومايبعث على الضحك والسخرية والأسى أن من يلقب بشيخ الإسلام عند الحنابلة والمجسمة أنه عندما اختلف مع أبي حيان التوحيدي في مسألة نحوية واستشهد أبو حيان بالكتاب أي كتاب سيبويه أراد ابن تيمية أن يُخرج نفسه من هذا المأزق والإحراج بكذبة وضيعة لاأساس ولاقيمة لها ولادليل عليها
حيث قال لأبي حيان أنه وجد سبعين خطأً في الكتاب لاتعلمها ولايعلمها سيبويه
رغم أن سيبويه هو من وضع القواعد التي تلقى من خلالها أساتذة ابن تيمية اللغة والنحو وتعلم هو النحو من خلالها
وهذا مما يدعو للتندر والسخرية
المضحك في الأمر أن تلامذة ابن تيمية كالذهبي وابن كثير أشادوا بسيبويه وكتابه وذكروا براعته وذكاءه وقوة الكتاب وعظمته
فقال الذهبي في ترجمة سيبويه في سير أعلام النبلاء
إمام النحو حجة العرب الفارسي ثم البصري
قد طلب الفقه والحديث مدة ثم أقبل على العربي فبرع وساد أهل العصر وألف فيها كتابه الكبير الذي لا يدرك شأوه فيه. قيل فيه مع فرط ذكائه حبسة في عبارته وانطلاق في قلمه
وقول ابن كثير أيضا
وقد صنف في النحو كتابا لا يلحق شأوه وشرحه أئمة النحاة بعده فانغمروا في لجج بحره واستخرجوا من درره ولم يبلغوا إلى قعره
فهل بعد هذا القول والمديح قولا أو تشكيكا
ناهيك عن أقوال عظماء اللغة وأصحاب الصنعة على مر العصور ولولا الإطالة لذكرنا كثيرا منها ولخرجت عن حد المقالة والبحث
فما هو الدافع لابن تيمية ليكذب هذه الكذبة المكشوفة
هل بسبب الحرج الذي وقع فيه مع أبي حيان الذي استشهد بالكتاب فلجأ للكذب البين والظلم خوفا على صورته
أم أن هناك أسباب خفية تدفعه لذلك ودوافع كامنة في نفسه الخبيثة تدفعه لذلك ووراء الأكمة ماوراءها
خاصة إذا علمت أيها القارئ العزيز
أن شيخ سيبويه ومعلمه الأول والأفضل هوالخليل بن أحمد الفراهيدي تلميذ الإمام جعفر الصادق عليه السلام
وأن علومهم وهذه الأنوار التي اكتسبوها من مشكاة أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام
ومع ذلك فلن ندخل في النوايا ونحاكمها وإنما هي تساؤلات منطقية نسعى من خلالها لاستخلاص الحقيقة
فيالها من مشكاة نورانية قدسية مازال العالم ينهل من علومها العظيمة وأنهارها الزاخرة التي لاتنضب
في شتى ميادين العلم والمعارف والعلوم الإلهية
والحكم النبوية
والإشراقات العلوية
والإمدادات الفاطمية
عليهم أفضل الصلوات وأتم التسليمات الإلهية
اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وبارك وسلم
خادم العترة المطهّرة
حمدان آل مخلص
هذا العَلَم الذي فاقت شهرته الآفاق وعبرت الأزمنة والقرون الطويلة حتى أصبح علامة فارقة في علوم العربية والنحو ولايكاد يذكر هذا اللقب الجميل إلا ونستذكر اللغة والذكاء والعبقرية الفذة.
وحقيقة أنني في هذه العجالة لن أستطرد كثيرا حول حياته وإنما هي خاطرة جنحت في الوجدان فأردت أن أشارككم بها وجمحت بي الرغبة لأمتطي صهوة القلم ليخط لنا شذرات من سيرة هذا الأديب العلامة الذي كان أول من وضع وبسط قواعد اللغة وجمعها في كتاب واحد جامع مانع صار مرجعا لأصحاب الصنعة وأرباب اللغة والنحو على مر العصور.
فاستحق لقب إمام النحاة دون منازعة ولامنافسة وقد بزّ الأقران ومن أتى من بعده حتى يومنا هذا وحتى كتابه الذي تركه بعد رحيله كان بلا عنوان وأخرجه للنور من بعده تلميذه الأخفش وسمي كتاب سيبويه الكتاب لشهرته وذيوع صيته ولبراعة ماصاغه سيبويه وجمعه لفنون النحو والصرف وإحاطته بها حتى صار الكتاب معلما من المعالم الحضارية والفكرية للأمة الإسلامية ولغة الوحي. وكان له لقب عظيم وهو قرآن النحو لشدة إتقانه وانبهار أهل الصنعة والنحاة بهذا الكتاب الأعجوبة وقد نقل المفكر والأستاذ الكبير شوقي ضيف في كتابه المدارس النحوية عبارة رائعة عن صاعد الأندلسي عن كتاب سيبويه قال فيها "لا أعرف كتابا أُلف في علم من العلوم قديمها وحديثها فاشتمل على جميع ذلك العلم، وأحاط بأجزاء ذلك الفن غير ثلاثة كتب، أحدها المجسطي لبطليموس في علم هيئة الأفلاك والثاني كتاب أرسطوطاليس في علم المنطق، والثالث كتاب سيبويه البصري النحوي فإن كل واحد من هذه لم يشذ عنه من أصول فنِّه شيء إلا ما لا خطر له".
وُلد سيبويه في البيضاء في شيراز في فارس عام ١٤٠ هـ على أرجح الأقوال ومات فيها في ١٨٤ هـ
ورغم هذه الشهرة والذكر الخالد فإنه لم يُعمّر طويلا ومات في الثلاثينات من عمره في ريعان الشباب
وقد انتقلت أسرته للبصرة ونشأ بها وطلب في بدايته الحديث عند حماد سلمة حتى حدثت بينهما حادثة طريفة عجيبة كانت هي الشرارة التي قدحت ذهنية هذا العبقري لتحصيل علوم اللغة بإصرار وتحدٍ صارم لنفسه قبل غيره حتى تفوق على كل من ينطق الضاد رغم أصوله الفارسية
وقد أورد ابن النديم البغدادي في الفهرست هذه الرواية
فذات مرة وبينما كان في مجلس حمّاد بن سلمة
ذكر حمّاد حديثا جاء فيه قال
قال صلى الله عليه وسلم: ليس من أصحابي أحد إلا لو شئت لأخذت عليه ليس أبا الدَّرداء
فقال سيبويه ليس أبو الدَّرداء
ظنّه اسم ليس فصاح به حمَّاد: لحنت يا سيبويه، ليس هذا حيث ذهبت إنما هو استثناء
فقال سيبويه: لاجرم والله لأطلبن علماً لا تُلَحِّنَنِّي فيه أبدا
ثم انطلق في رحلة التحصيل والعلم في اللغة والنحو ولزم العالم اللغوي الكبير الخليل بن أحمد الفراهيدي مكتشف علم العروض وصاحب الإبتكارات الأدبية واللغوية العجيبة
وتتلمذ على يديه وكان لايفارقه ويجله ويحبه وكذلك شيخه الفراهيدي كان يحب تلميذه النجيب الأريب العبقري ويبادله الشعور وقد كان يقول لتلميذه مرحبا بزائر لايُمل رغم كثرة مخالطته ومجالسته
ورغم تلقي سبيويه العلم من عدة شيوخ إلا أن الخليل بن أحمد قد كان الفضل الأكبر في صقل مواهبه وإبرازها حتى تسنم أعظم المراتب في عالم اللغة والنحو
ويتضح جليا تأثره بالفراهيدي من خلال مدحه لشيخه في كتابه الوحيد ونقله عنه وكثرة ذكره والإشادة به
ولايفوتني أن أشير إلى أن اسمه هو عمرو بن عثمان بن قنبر الحاري
وأما سيبويه فهي كلمة فارسية جميلة وتعني في العربية رائحة التفاح
وقيل أن أمه هي من أطلقت عليه هذا الوصف وهناك من ذهب أنه لُقب بهذا اللقب لأنه كان شابا نظيفا جميل المحيا أبيض البشرة مشرباّ بحمرة يعتني بهندامه ومظهره باستمرار
وأيا يكن
فقد كان رائحة التفاح رحمه الله أعجوبة زمانه وفريد عصره وماأعقبه من عصور حتى أصبح مضربا للمثل لكل من برع في اللغة
وربما إذا أردنا التندر على أحد ممن يلحن في اللغة ذكرنا لقب سيبويه وكأنه أصبح هو والنحو ولغتنا كيانا واحد لاينفصل
فياللعجب
ولكن الأعجب من ذلك ومايبعث على الضحك والسخرية والأسى أن من يلقب بشيخ الإسلام عند الحنابلة والمجسمة أنه عندما اختلف مع أبي حيان التوحيدي في مسألة نحوية واستشهد أبو حيان بالكتاب أي كتاب سيبويه أراد ابن تيمية أن يُخرج نفسه من هذا المأزق والإحراج بكذبة وضيعة لاأساس ولاقيمة لها ولادليل عليها
حيث قال لأبي حيان أنه وجد سبعين خطأً في الكتاب لاتعلمها ولايعلمها سيبويه
رغم أن سيبويه هو من وضع القواعد التي تلقى من خلالها أساتذة ابن تيمية اللغة والنحو وتعلم هو النحو من خلالها
وهذا مما يدعو للتندر والسخرية
المضحك في الأمر أن تلامذة ابن تيمية كالذهبي وابن كثير أشادوا بسيبويه وكتابه وذكروا براعته وذكاءه وقوة الكتاب وعظمته
فقال الذهبي في ترجمة سيبويه في سير أعلام النبلاء
إمام النحو حجة العرب الفارسي ثم البصري
قد طلب الفقه والحديث مدة ثم أقبل على العربي فبرع وساد أهل العصر وألف فيها كتابه الكبير الذي لا يدرك شأوه فيه. قيل فيه مع فرط ذكائه حبسة في عبارته وانطلاق في قلمه
وقول ابن كثير أيضا
وقد صنف في النحو كتابا لا يلحق شأوه وشرحه أئمة النحاة بعده فانغمروا في لجج بحره واستخرجوا من درره ولم يبلغوا إلى قعره
فهل بعد هذا القول والمديح قولا أو تشكيكا
ناهيك عن أقوال عظماء اللغة وأصحاب الصنعة على مر العصور ولولا الإطالة لذكرنا كثيرا منها ولخرجت عن حد المقالة والبحث
فما هو الدافع لابن تيمية ليكذب هذه الكذبة المكشوفة
هل بسبب الحرج الذي وقع فيه مع أبي حيان الذي استشهد بالكتاب فلجأ للكذب البين والظلم خوفا على صورته
أم أن هناك أسباب خفية تدفعه لذلك ودوافع كامنة في نفسه الخبيثة تدفعه لذلك ووراء الأكمة ماوراءها
خاصة إذا علمت أيها القارئ العزيز
أن شيخ سيبويه ومعلمه الأول والأفضل هوالخليل بن أحمد الفراهيدي تلميذ الإمام جعفر الصادق عليه السلام
وأن علومهم وهذه الأنوار التي اكتسبوها من مشكاة أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام
ومع ذلك فلن ندخل في النوايا ونحاكمها وإنما هي تساؤلات منطقية نسعى من خلالها لاستخلاص الحقيقة
فيالها من مشكاة نورانية قدسية مازال العالم ينهل من علومها العظيمة وأنهارها الزاخرة التي لاتنضب
في شتى ميادين العلم والمعارف والعلوم الإلهية
والحكم النبوية
والإشراقات العلوية
والإمدادات الفاطمية
عليهم أفضل الصلوات وأتم التسليمات الإلهية
اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وبارك وسلم
خادم العترة المطهّرة
حمدان آل مخلص