عقائدنا بين القصيباني والوحش الإمبريالي
يطل علينا شهر رمضان ببركاته ونفحاته الإيمانية وأجوائه التي تغمر أرواحنا بالراحة والسكينة والطمأنينة ومبارك علينا جميعا هذا الشهر العظيم ، هذا الشهر الذي تتجلى فيه كل معاني العطاء والكرم وتتعمق فيه قيم الصبر والزهد والإيثار، في هذا الشهر الكريم العظيم يجب أن يلتفت الإنسان إلى نفسه ويعلي من قيمتها وروحانيتها التي أهملها لصالح متطلبات الجسد المادية الكثيرة في بقية الأشهر هو شهر الخير والبركات و الرحمة و الأنوار التي تستنير بها الصدور وتعمر ببركته القلوب وتستكين الروح وتزهو وتتوق إلى عالم الروح والريحان والجنان.
شهرٌ يختلي فيه الإنسان بعقله وروحه ووجدانه ليحاسبها ويعاتبها على مافرطت فيما سلف لها من غابر الأيام، فيبدأ بمزاحمة المعاصي بالحسنات، ومضايقة الآثام بالصدقات وتعويد الجوارح على محاربة الشهوات ولاأدل على بركة هذا الشهر مما نراه من آيات الله ماثلة فينا وبين أيدينا و لا أدل على ذلك من هذه السكينة التي يستشعرها الصائم في هذا الشهر و احساسه بزوال النَصَب والكبد والتعب وحتى الجوع و الضمأ فرغم ساعات النهار الطويلة إلا أننا ولله الحمد لا نشعر بأي جوع و لا ضمأ فالأنفس التي تتغذى بغذاء الولاية والطهر والطاعات و العبادات ترتفع عنها كلفة الشهوات من مأكل و مشرب ونكاح وغيره من متطلبات الجسد التي لاتنتهي ويكفي الله المؤمنين مؤونة ما يكابده الإنسان لإشباع رغبات النفس الشهوانية ، ومع الإخلاص في النية و العمل و الولاية ترتقي النفس إلى الملائكية و لا يربطها بجسدها إلا ما تستعين به وتستخدمه لأداء العبادات لربها جعلنا الله وإياكم من أهل الولاية و الإخلاص في النية والقول والعمل، وعن سيدنا جعفر بن محمد صلوات الله عليه أنه قال : ((صوم شهر رمضان فرض في كل عام ، وأدنى مايَتِم به فرض صومه العزيمة من قلب المؤمن على صومه بنيّة صادقة ، وترك الأكل والشرب والنِّكاح في نهاره كله ، وأن يجمع في صومه التوقيّ لجميع جوارحه وكفها عن محارم الله ربه متقربا بذلك كله إليه فإذا فعل ذلك كان مؤديا لرفضه)).
وأورد القاضي النعمان رضوان الله عليه وأعلى قدسه كذلك حديث سيدنا جعفر الصادق عليه السلام لبنيه حيث قال: ((إذا دخل شهر رمضان فأجهدوا أنفسكم ، فإن فيه تُقسم الأرزاق وتُوقت الآجال ، ويكتب وفد الله الذي يفدون عليه وفيه ليلة العمل فيها خير من العمل في ألف شهر)).
و أوصيكم وأوصي نفسي المقصرة قبلكم بالعمل و الجد والإجتهاد والجهاد و ربما يتساءل أحدكم ومادخل الجهاد هاهنا و أقول له الجهاد الأعظم هو جهاد النفس كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و أسأل الله القبول لي ولكم في العلم والنية والعمل وأن يجعلنا ممن إذا عاهد وفى وإذا حدث صدق وإذا أؤتمن أدى الأمانات إلى أهلها و بعد هذه المقدمة اليسيرة سألج في صلب الموضوع مباشرة وأبدي بعض الملاحظات وقراءاتي لما لاحظته مؤخراً من أحداث ومؤثرات أخذت حيزا كبيراً من
فكر المجتمع المغلوب على أمره؛
المستلبة هويته؛
المصطنعة أفكاره وعقائده؛
المقولبة مدارسه وفلسفاته؛
المسيرة توجهاته و اتجاهاته؛
بفعل هذا الوحش المتغول المخادع المستبد المظلم الذي سيطر على عقول البشر واستلب أرواحهم وعقولهم وقلب المفاهيم ودمر القيم ونشر الفساد الأخلاقي وقزم الأديان في عيون النشء بل وحتى الكبار الذين يفترض بهم نشر الوعي ومحاربة مايبثه من جنود فكرية مدربة جيدا في مصانع التغريب الإمبريالية لتحطيم آخر خطوط الدفاع لدى الأمة المسلمة وهو الدين و العقيدة والعفة والأخلاق، لابد أنكم فطنتم لهذا الوحش الكاسر الآن، إنه بلا ريب هذه الآلة الإعلامية الضخمة التي تدك معاقل المسلمين وحصونهم آناء الليل وأطراف النهار على مدى متواصل متصل لا ينقطع وتزداد هذه الهجمات ضراوة و شراسة في هذا الشهر الفضيل العظيم التي يفترض أن يتسابق فيه الناس لأداء العبادات والطاعات فتجد كثيرا منهم و للأسف لم تعد لديه القدرة للتخلص من إدمان المسلسلات الهابطة التي تعرضها قنوات البؤس والضلال والفتن كقنوات الإم بي سي وماشابهها فتجد الناس سكارى وماهم بسكارى بفعل مايقوم به الضال المضل وليد الإبراهيم الذي أصبحت قنواته معول هدم في المجتمعات تنافس بل تطغى على ماتقوم به قنوات التصهين الماسونية وأصبحت هذه القنوات أحد أقوى الأذرعة الصهيونية في مجتمعاتنا، وخطرها لم يعد مقتصرا على محاربة العفة والأخلاق والقيم الإسلامية الرفيعة ، بل تعدى خطرها ذلك الأمر بمراحل وخطوات كبيرة جداً، أصبحت الحرب على العقائد و الإسلام و هذه السنة حدث ماكنت أحذر منه سابقا وهو الحرب على التشيع و الولاية فما تم عرضه في حلقة سيلفي عن السنة والشيعة و ماتم بثه من رسائل ضمنية وتمريرها خلال هذه الحلقة هو أخطر من أي عمل تم في السابق.
و كما يعتقد المغفلون أن الحلقة رائعة جميلة تنبذ التطرف من الطرفين وتدعو للتعايش والسلم وأنه لا فرق بين الجميع و لا يجب على الشيعة أن يتمسكوا بالثوابت بهذا الشكل ولا بأس بصهر المذاهب وحتى الأديان والعيش في ضلال العلمانية وتحييد العقائد والأديان ولا داعي لاجترار أحداث تاريخية عفى عليها الزمن وانتهت!
هذا مااستطاعت الإم بي سي زرعه في مخيال المجتمع المستلب فكرياً تحت مسميات وشعارات زائفة كالتعايش والحب والإخاء وتغافلت عما يجري في سورية واليمن والعراق تحت إشراف ومخططات الغرب القذرة وآلتهم العسكرية التي حطمت كل معاني الحياة في بلداننا ونعود للحلقة ونرى كيف يحاولون إيصال الشيعي إلى قناعات محددة مثل أنه لا داعي للحقد على يزيد لعنه الله الذي قتل ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيدنا الحسين الشهيد عليه السلام والذي بكى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حديث أم سلمة ، فمن يحمل اسم يزيد يظهر في الحلقة بأنه ذلك الشاب المسالم الذي لايؤذي أحداً ويملك شخصية محببة لطيفة لاتبرر كل ذلك الحقد على يزيد لديكم أيها الشيعة!
وتناست الإم بي سي والقائمين عليها أن الله توعد من قتل مؤمناً عادياً متعمداً بالنار والويلات وجهنم فكيف بمن قتل سيد الشهداء وابن وصي الأوصياء وسار بحرم رسول الله مقيدات أسيرات من العراق إلى الشام عليه اللعنات المتواليات، كيف نتساهل مع زنديق كافر لم يكن يتناهى عن فاحشة ولا خمر ولا منكر إلا و ارتكبه وهو من استباح المدينة وقتل خيرة صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وافتض جيشه ألف بِكر واغتصبهن وقتل القُرّاء والفقهاء والصالحين و غيرها من الكفريات كل ذلك في ثلاث سنين من حكمه البائس لعنه الله ولعن أسلافه فإن قال أحدهم فماذنب من وُلد ووجد اسمه يزيداً نقول له أن ذلك ذنبه وذنب أهله النواصب المتطرفين المبغضين لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فهم لم يسموا ابنهم بهذا الكافر إلا بغضاً لأهل البيت وتقرباً لبني أمية ومن سار في ركابهم، وذنبه أنه رضي بهذ الإسم لهذا الزنديق الكافر وكان بيده أن يغيره لو كان في قلبه ذرة من إيمان، وإلا فما الفرق بينكم وبين عبدة الشيطان وأتى أحدهم وسمى ابنه الحارث بن مرة أو لوسيفر أو ابليس وقالت لكم الإم بي سي ماذنبه أن أهله سموه باسم الشيطان!
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأهل بيته : ((أنا سلم لمن سالمتم وحرب لمن حاربتم))(١)
وقال أيضا (( حسينُ مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا ، حسين سبط من الأسباط )) (٢)
فمن عاداهم فقد عادى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وباء بالخسران والبوار وسيصلى الحجيم.
كذلك مما حاولت الإم بي سي تمريره من رسائل في حربها على العقائد هو إظهار العالم المتشيع بأنه صاحب خرافة في كل مايقول من قصص عن أهل البيت عليهم السلام و هذه رسالة جد خطيرة لا يعي خطرها إلا من استشرف المستقبل وقرأ الحلقة جيدا وهذا خطير على التشيع بشكل عام.
و دعونا نتحدث على مستوى دعوة الحق المباركة ، فالجاهل الذي لا يملك أي خلفية علمية و لا فكرية و لا عقائدية سيرسخ في ذهنه بعد هذه الحلقة أن كل ماسيقرأه في المستقبل في كتب الدعوة مثلا كما في شرح الأخبار أو المجالس والمسايرات أو حتى في المناقب والمثالب وعيون الأخبار وغيرها من كتب السير مما تتضمنه من كرامات لأهل البيت عليهم الصلاة والسلام و ما حباهم الله به من تكريم وتقديس وتطهير وأحداث جسام عظيمة جرت عليهم فلن يصدق لاعتقاده بأن (ناصر القصيباني) كما يحلو له أن يسخر ويسمي نفسه في الحلقة هو المرجع الذي يُعتمد كلامه والواقع الذي لاينقض.
وربما وصل الأمر في المستقبل إلى إنكار معجزات الجذع الذي حن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والحصى التي سبحت في كفه والبئر الجافة التي أفاض عليها رسول الله بريقه القدسي فتفجرت أنهارا عذبة فيها لذة للشاربين و لكم في قصة الإمام علي عليه السلام وأبو ثعلبة الجهنة في الشرح عبرة لمن اعتبر و هي من أعجب مايمكن أن تقرأ.
فارجعوا لها واعتبروا يرحمكم الله و هذه حرب خطيرة بعيدة المدى والأهداف تبث فيها و تمرر رسائل تدميرية يجب مواجهتها بنشر الوعي الصحيح و العقائد الواجب اتباعها في مواجهة هذا التزييف للوعي على المستوى السياسي والديني والفكري والثقافي وعلى جميع الأصعدة والأخذ بيد النشء والمراهقين وحتى كبار السن الجهلة وتوعيتهم وتثقيفهم لما يحاك ضدهم في الدوائر المغلقة.
وأما أهل البيت عليهم السلام فلن نحيد عن خطهم ولن نتساهل ولن نتوانى في حبهم وعشقهم وطاعتهم واتباعهم مهما كادت الشياطين وأعوانها في ذلك من الكيد والحيل و أرجفت بخيلها ورجلها وإعلامها.
وحتى تتضح الصورة وتصبح واضحة جلية سنتطرق لطائفة من الآيات والأحاديث التي نبرهن بها بما لايدع مجالا للشك أن الولاية وحب رسول الله والعترة الطاهرة عليهم السلام ومعاداة أعدائهم هي من صلب الدين والعقيدة التي لايجب التساهل فيها إطلاقا وإلا خرجتم من جملة المؤمنين ومن مدينة القدس الفاضلة إلى تيه المذاهب المردية وغرقتم في طوفان الضلالات و هلكتم و ظلمتم أنفسكم.
قال تعالى:(( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)) (٣)، فقرن طاعته بطاعة رسوله وأهل البيت عليهم الصلاة والسلام وهذا أصل عظيم في الإسلام وفرض افترضه الله على عباده وليس شيئا بالخيار يقوم به المرء أو يتركه بل فرض لا خيرة فيه للمؤمن الذي يريد النجاة ورضوان الله وجنته. قال الله عز وجل: (( وماكان لمؤمن ولامؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم)).
وقال القاضي النعمان رُويّنا عن أبي جعفر محمد بن علي (الباقر عليه السلام) أنه قال :
(( (بُنيَ الإسلام على سبع دعائم:
الولاية وهي أفضلها وبها وبالولي يوصل إلى معرفتها
والطهارة والصلوٰة والزكاة والصوم والحج والجهاد)).
فقدم الولاية على الدعائم الست الأخرى وفضلها وبها يوصل إلى الباقي من دعائم الإسلام.
وقال سيدنا جعفر بن محمد عليه السلام : ((الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان)) ، وقد ناقش القاضي النعمان رضوان الله عليه قول الجماعات المخالفة بحجة قاطعة وبيان حاسم قولهم بأن الإيمان قولٌ وعمل فقط
فقال أن القول والعمل بغير نية محال ، لأنهم قد أجمعوا على أن رجلا لو أمسك عن الطعام والشراب يومه إلى الليل وهو لاينوي الصوم لم يكن صائما ولو قام وركع وسجد وهو لا ينوي الصلوٰة لم يكن مصليا ولو وقف بعرفة وهو لا ينوي الحج لم يكن حاجاَ ولو تصدق بماله كله وهو لا ينوي به الزكاة لم يُجزه من الزكاة وكذلك قالوا في عامة الفرائض)) فثبت أن ماقال الإمام عليه السلام من أن الإيمان قول وعمل ونية هو الثابت الذي لايجزى غيره.
وقد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ مانوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لامرأة يتزوجها أو لدنيا يصيبها فهجرته إلى ماهاجر إليه)).
وهذا غيض من فيض من استدلالات الدعاة من كلام الرسول وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام على إثبات أن الإيمان قول وعمل ونية بما لا يدع مجالا لأي قول أو اعتراض أو تدليس أو قياس أو رأي آخر. ولذلك فالإيمان لايكتمل إلا بالولاية أول الدعائم وأن تكون ولاية بالنية والقول والعمل.
قال الله عز وجل (( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلوٰة ويؤتون الزكوٰة وهم راكعون )) (٤) ، وهذه آية خاصة للإمام علي عليه السلام بأنه الولي وطاعته و ولايته فرض كما هي طاعة الله ورسوله والصغير قبل الكبير والجميع يعلم قصة زكاته وتصدقه بالخاتم وهو راكع فنزلت هذه الآية العظيمة لتثبت حق أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه.
قال القاضي النعمان روينا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( أوصي من آمن بالله وبي وصدقني بولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) فإن ولاءه ولائي، أمرٌ أمرني به ربي وعهد عَهِدَه إليَّ وأمرني أن أبلغكموه عنه.
وقد أمره الله أن يبلغ الناس بولاية أمير المؤمنين ، قال سيدنا أبو جعفر محمد بن علي عليه السلام بعد حديث طويل أورده القاضي النعمان (( ..... فلما أتاه ذلك من الله عز وجل ضاق به صدر رسول (الله صلى الله عليه وآله وسلم ) ذرعا وتخوف أن يرتدوا عن دينه ويكذبوه فضاق صدره وراجع ربه فأوحى إليه ((ياأيها الرسول بلغ ماأنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس)). فصدع بأمر الله وقام بولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم ونادى لذلك: الصلاة جامعة وأمر أن يبلغ الشاهد الغائب وكانت الفرائض ينزل منها شيء بعد شيء تتزل الفريضة ثم تنزل الفريضة الأخرى وكانت الولاية آخر الفرائض فأنزل الله عز وجلّ :((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)) ، قال أبو جعفر يقول الله عز وجل : ((لاأنزل عليكم بعد هذه الفريضة فريضة قد أكملت لكم هذه الفرائض)).
انتهى كلام الباقر وتفسيره عليه السلام وهذا يبرهن بما لايدع مجالا للجدل والتخبط بأن الولاية لأمير المؤمنين والأئمة من بعده فريضة فرضها الله على الناس وأن الولاء لهم والإخلاص والإتباع هو فرض من تركه عن علم وتعمد وتبع أئمة الضلال آثم ضال مصيره النار.
وحتى نزيدكم بيانا سأعرض لكم تفسيرا للباقر عليه السلام حول آية ((وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)).
يروي القاضي النعمان عن أبي جعفر سيدنا محمد بن علي الباقر عليه السلام أن سائلا سأله عن قول الله عز وجل ((أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)) فكان جوابه أن قال: ((ألم ترَ إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا)) ، فقال : ((يقولون لأئمة الضلال والدعاة إلى النار هؤلاء أهدى من آل محمد سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا أم لهم نصيب من الملك( يعني الإمامة والخلافة) فإذا لايؤتون الناس نقيرا ، نحن الناس الذين عنى الله هاهنا. والنقير النقطة التي في وسط النواة (أم يحسدون الناس على ماآتاهم الله من فضله ) نحن هاهنا الناس المحسودون على ماآتانا الله من الإمامة دون خلق الله جميعا ( فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما) أي جعلنا منهم الرسل والأنبياء والأئمة إلى قوله ((ظلا ظليلا))، ثم قال : ((إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعمّا يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا))، ثم قال : ((إيانا عنى بهذا أن يؤدي الأول منا إلى الإمام اللذي يكون بعده الكتب والعلم والسلاح (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) التفسير :أن تحكموا بالعدل الذي بين أيديكم، ثم قال للناس( ياأيها الذين آمنوا) التفسير : لجميع المؤمنين إلى يوم القيامة ((أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)) إيانا عنى بهذا)).
إلى آخر الحديث الطويل وفيما أوردنا منه كفاية لمن اعتبر واتقى وحتى يستوثق من يقرأ هذه المقالة ونزيد البيان بيانا.
قال القاضي النعمان روينا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعلي عليه السلام : (( ياعلي ، أنت والأوصياء من ولدك أعراف الله بين الجنة والنار لايدخلها إلا من عرفكم وعرفتموه ولايدخل النار إلا من أنكرتم وأنكرتموه)) ، وقد كتب القاضي النعمان معلقا على هذا الحديث بقوله فهذا هو التأويل البين الصحيح الذي لايجوز غيره لا كما تأولت العامة(٥) أن أصحاب الأعراف رجال قصرت بهم أعمالهم عن الجنة أن يدخلوها ولم يستوجبوا دخول النار فهم بين الجنة والنار ، وبين القاضي النعمان فساد هذا المعتقد بالحجج والبراهين والأدلة البينة القاطعة(٦)
ونختم بهذا الحديث العظيم ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( شيعة علي هم الفائزون )) (٧)
وقد آثرت أن نكتفي بهذه الطائفة من الأدلة من كتاب الله وسنة النبي وأحاديثه وأوامر الله ونواهيه والشواهد الحديثية وطائفة من أقوال رسول الله وأهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. و لو استقصينا كثيرا ولا أقول كل أو أغلب ما أورده الدعاة في مصنفاتهم من احتجاج وأقوال وأدلة لخرجنا بكتب ومجلدات تخرج عن حد هذه المقالة، وفيما ذكرت كفاية لمن اتقى واستبرأ لدينه واستمسك بالعروة الوثقى وألقى السمع وهو شهيد.
بقي أن أنوه إلى جزئية هامة وهي مسألة الإحتراب المذهبي والإستقطابات الطائفية والتناحر الديني ووالعرقي في عرض بلاد العرب وطولها ومعالجة هذه القضايا الشائكة العويصة لاتتم عن طريق الإعلام المنحط الهابط ومعالجته السطحية السخيفة المموجة التي ترتكز على التهريج والتسطيح لقضايا الأمة، فهذه مسألة لن تعالج مادامت أنظمة كالسعودية والنظام الصهيوني القابع في الدوحة وتركيا وقرده الخائن يتحالفون مع دول الإستكبار العالمي ويدعمون الوهابية في كل أرض وتحت أديم كل سماء بالسلاح والإعلام والأموال والمبالغ الطائلة ويعملون ليل نهار على تغذية التطرف والقتل وشيطنة الشيعة والسعي لتحطيم قيم الإسلام داخليا عبر هذا الإعلام الساقط الذي يبث ويمرر رسائله الهدامة الخبيثة لهدم كل قيمة تعلي من شأن الإسلام وتحييه في النفوس التواقة إلى العلا والتقى وإعلاء كلمة الحق ، من الممكن البحث عن المشتركات بين السنة والشيعة والسعي للم شعث المسلمين فكريا وعلميا بل وعسكريا بتوجيه بوصلة حرابهم بالإتجاه الصحيح نحو العدو الصهيوني وتوحيدهم تحت راية الإسلام المحمدية.
أما أن تبقى هذه الأنظمة الشيطانية قابعة في جحورها وتفسد في الأرض وينقسم المسلمون إلى فسطاطين وقسمين تحت راية الكفار والغرب (السنة ) يقاتلون تحت أمريكا والغرب الإمبريالي والشيعة تحت راية الروس ويقتل بعضهم بعضا
وكلا القوتين الأمريكان والروس يخططون لتقسيم الوطن العربي واستبدال سايكس بيكو باتفاق لافروف كيري وتحويل الدول العربية إلى دويلات متصارعة وجيوش محطمة وشعوب مهجرة وفقر وتخلف وانحطاط أكثر مما هو موجود الآن وكان الله المستعان، ثم يأتي وليد الإبراهيم لكي يهدم مابقي من قيم على هامش الصراع الأبدي بين المسلمين ليهدمها تحت شعارت زائفة واهية بأدوات نقدية تهريجية بالية لاترقى حتى لأن تسمى معالجة أو نقدا وسأصدقكم القول بأنه لن يصطلح حال المسلمين مادامت الوهابية وسدنتها في قرن الشيطان يسعون في الأرض تقتيلا وتكفيرا ودمارا ولايقربون صهيون ولو كانوا على بعد أمتار قليلة منهم تدعهم أنظمة عميلة حقيرة سعيا لكسب ود الشيطان القابع في البيت (الأسود) الأمريكي.
و أذكر هنا أن السنة والشيعة إذا وجدت أنظمة وحكاما مخلصين لأمتهم فسيتحدون تحت راية عظيمة تنتج أعظم إنتاج عرفته البشرية دون المساس بالثوابت والعقائد والأصول الدينية الثابتة ولنا في تجربة الدولة الفاطمية والأئمة الفاطميين عليهم السلام خير مثال.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم؛
وحسبنا الله ونعم الوكيل ونعم المولى ونعم النصير.
اللهم صلِ المصطفى المختار الأمين؛
وعلى وصيه الحيدرة الكرار مبيد المجرمين والمشركين؛
وعلى الزهراء البتول مشكاة نور المؤمنين؛
وعلى الحسن والحسين السبطين الطاهرين؛
وعلى الذرية الطاهرة والهداة الراشدين؛
وبارك وسلم إلى يوم الدين؛
خادم العترة المطهرة
حمدان آل مخلص
١- المناقب والمثالب ص ٢٨٢ / سنن ابن ماجه الجزء الأول ص ٥٢ / المعجم الكبير الجزء الثالث ص ٤٠
٢- مشهور في مصادر الشيعة معروف مستفيض باختلاف وتعدد المتن والسند وقد أتيت بسنده من كتب المخالفين حتى ينقطع دابر الجدل لمن أنكر منهم، الحديث رواه الترمذي (٣٧٧٥) وابن ماجه(١٤٤) وأحمد(١٧١١١) وحسنه الترمذي والألباني
٣- سورة النساء آية٥٩
٤-سورة المائدة آية ٥٥
٥- عادة مايقصد القاضي النعمان بكلمة العامة المذاهب الأربعة المعروفة وخاصة الحنابلة وهم من يوصفون بالحشوية
٦- لمن أراد الإستزادة بإمكانه العودة إلى دعائم الإسلام المجلد الأول- ذكر الإيمان
٧- نفس المصدر السابق ( الدعائم)