الفاطميون: نسل الزهراء والدوحة النبوية
حقيقة إن الحديث في بعض القضايا الفكرية
والتاريخية البديهية وتكرارها والجدل حولها حتى وإن تم حسمها تجده حاضرا وبقوة في
دوائر الفكر العربي والإسلامي وهذا دليل على الخلل المنهجي والإرث التاريخي
والفكري المشوه الذي ورثه الخلف عن السلف البائس.
فهناك الكثير من القضايا التي وعلى الرغم من أنه قد تم حسم
الجدل حولها إلا أنه مازال هناك من الحمقى والمتعصبين من يجتر مثل هذه القضايا
ويلوكها ويسوق الاتهامات على رغم وجود الأدلة القوية والحاسمة والقاطعة التي تدحض
تلك الاتهامات الباطلة.
ولعل أكبر دليل ومثال على ما قدمنا القول عليه هو الدولة
الفاطمية العظيمة التي مافتئ أرباب البلاط السلطوي و دهاقين الحكام الذي ركنوا
لحطام الدنيا و مايرمى لهم من فتات على طاولات الملوك الفاسدين يتهمونها بأبشع
التهم المضحكة الغبية التي لا يصدقها حتى الأغبياء والحمقى بسبب تناقضاتهم وأباطيلهم
التي لايمكن أن يمررها عاقل أريب يحترم نفسه وعقله.
ومن ضمن هذه الاتهامات الغبية التي مازال الجهلة يرددونها حتى
اليوم هي الطعن في نسب الأئمة الفاطميين عليهم السلام
فتارة يقولون بأنهم من أصل مجوسي،
وتارة يقولون بأنهم من أصل يهودي، ومرة يقولون بأن نسبهم غير معروف وغيرها من
التناقضات المضحكة المبكية، ورغم أن القضية قد حُسمت منذ زمن بعيد ومنذ مئات السنين بشهادة
علمائهم وكبار مؤرخيهم بأن الفاطميين هم من نسل الزهراء وشهد لهم كبار علماء
الأنساب وأيضا الأشراف والعلويين وعلى رأسهم عميد الأشراف في زمنه الشريف الرضي إلا أن
المتعصبين والتكفيريين وأزلام الصحوة وتنظيماتها يعتمدون على جهل العامة وانحدار ثقافتهم فيسوقون الأراجيف والأباطيل والأكاذيب دون دليل لعلمهم
بتخلف أتباعهم وضحالة محصولهم الثقافي والفكري والمعرفي
فتسهل عملية الكذب والتضليل
والخداع والرئاسة الوهمية التي يبحثون عنها بين الرعاع وسقط المتاع بعد هذه
المقدمة لابد لنا أن نضع الأدلة من أقوال علمائهم ومؤرخيهم الكبار والأعلام حتى لا يكون الحديث خاليا من الأدلة كما يفعلون.
وسنورد في البداية قول ابن خلدون في مقدمته التي أوضح فيها أن
هذه الاتهامات مجرد كذبة وأخبار واهية فقال ما نصه:
"ومن الأخبار الواهية ما يذهب إليه الكثير من المؤرخين
والإثبات في البعد بين خلفاء الشيعة بالقيروان والقاهرة من نفي نسبهم لأهل البيت
صلوات الله عليهم والطعن في نسبتهم إلى إسماعيل الإمام ابن جعفر الصادق وهم
يعتمدون في ذلك على أحاديث لفقت للمستضعفين من خلفاء بني العباس تزلفا إليهم
بالمدح فيمن ناصبهم. وتفننا في الشمات بعدوهم."
وهنا يشهد بأنها أحاديث لفقت من قبل العباسيين الذين يصفهم
بالمستضعفين ويصفها بالأخبار الواهية وقد قال بعدها في موضع آخر بأن أغلب من طعن
في النسب هم من أتباع العباسيين ممن سمعوا الأحاديث ولم يتثبتوا "أي أن الأمر
عند ابن خلدون يعتبر كلام فارغ وإشاعات".
وابن خلدون معروف بعدائه
للفاطميين وعقائدهم ولكنه لم يحتمل هذه الكذبة ولم يرد أن يتبناها ويفضح نفسه
لعلمه بأنه لاقيمة لها.
وقد أورد المقريزي في الخطط المقريزية في الجزء الأول منها
الدليل على صحة نسب الفاطميين مانصه:
"وكفاك
بكتاب المعتضد من خلائف بني العباس حجة : فإنه كتب في شأن عبيد الله إلى ابن
الأغلب بالقيروان وابن مدرار بسجلماسة بالقبض على عبيد الله . فتفطن أعزك الله
لصحة هذا الشاهد فإن المعتضد لولا صحة نسب عبيد الله عنده ما كتب لمن ذكرنا بالقبض
عليه. فلو كان عنده من الأدعياء لما مر بفكره ولا خافه على ضيعة من ضياع الأرض".
ولاحظوا أن المقريزي يوضح هنا أن كتاب المعتضد العباسي لابن
مدرار بالقبض على سيدنا عبدالله المهدي عليه السلام هو أكبر حجة عليهم لأن المهدي
لو لم يكن من نسل الزهراء عليها السلام وله أتباعه ومحبيه لما خاف منه المعتضد حتى
على ضيعة أو قطعة أرض صغيرة لأن المدخول في نسبه لاتجيش السلطة أعوانها وجنودها
خوفا من مكانته إلا إذا كان سليل بيت النبوة الطاهر والزهراء البتول عليهم أفضل
الصلاة وأتم التسليم ولو لاحظتم أن أقوال علماء المخالفين حول هذه التهمة الغبية تدل على
عدم اكتراثهم لهذا الكلام واعتباره من الإشاعات التي لاتستحق حتى الإطالة فيها لأن
الفاطميين معروف نسبهم وانتسابهم لبيت النبوة ومشهور بين الأقطار الإسلامية
والعربية من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها.
ولكن دعونا نضحككم قليلا على أغبى إتهام ساقه أرباب السلطة على
الفاطميين وضد سيدنا المعز عليه السلام بالذات، حيث أورد ابن خلكان المتعصب الأهوج
في كتاب وفيات الأعيان في الجزء الأول ص ٦٠٩ حيث يذكر أن سيدنا المعز عليه السلام لما وصل مصر اجتمع به بعض
الأشراف لسؤاله عن نسبه. حيث قال ابن خلّكان:
"لما وصل الخليفة إلى مصر اجتمع به بعض الأشراف. وسأله أحدهم
وهو الشريف ابن طباطبا قائلا: إلى من ينتسب مولانا؟ فأجابه المعز بأنه سيعقد
مجلساً يضم كافة الأشراف ويسرد نسبه عليهم. فلما انعقد المجلس في القصر. سل المعز
سيفه إلى النصف وقال : هذا نسبي ثم غمرهم بالذهب الكثير وقال : وهذا حسبي فأجابوه
جميعاً بالسمع والطاعة"، هذه الكذبة هي من أكبر الأدلة على تعصب وغباء هذا
المؤرخ السلطوي.
أتعلمون لماذا ؟ لأنه مع التحقيق والتدقيق من جانب
الباحثين تبين أنه قد كذب نفسه بنفسه في نفس الكتاب دون أنت ينتبه لذلك، فقد أورد
في الجزء الأول ص ٣٢٦ أن ابن طباطبا الذي يزعم بأنه قد قابل المعز عليه السلام مات
سنة ٣٤٨ هـ والمعروف والمشهور عند الجميع أن سيدنا المعز عليه السلام لم يدخل
مصر إلا بعد وفاة ابن طباطبا ب١٤ عام حيث دخلها في ٣٦٢هـ ، فأي مهزلة وكذبة وفضيحة أكبر من هذه الفرية يورد الكذبة ثم يكذب نفسه بنفسه في نفس الكتاب.
ولا أجد ردا عليه أبلغ من رد الداعي الإسماعيلي المطلق والمؤرخ
الشهير سيدنا إدريس عماد الدين القرشي حيث قال مانصه في عيون الأخبار ردا على غباء
ابن خلّكان:
"إن هذا من القول الفاسد والكلام الغث البارد وأنى يكون
ذلك ونسبه معروف مشهور من شجرة النبوة ودوحة الوصاية وفرع الإمامة وإنما ذلك
للعناد والشقاق ، إذ لم يجدوا فيهم مطعنا ولامغنما فجاؤوا بهذه الأقوال ومخرقوا
هذه المخرقة التي لايتفق على ذوي العقول ولايقبلها إلا كل جهول".
وحقيقة أنه رد حاسم على ابن خلكان الذي ناقض نفسه بنفسه وفضح أسياده من بني العباس بغبائه ثم أورد
الداعي القرشي بعدها أبيات الشريف الرضي صاحب المكانة الرفيعة عند العلويين
والهاشميين في ذلك الوقت التي شهد فيها في أبياته بشهادة عظيمة بأن الفاطميين هم
من نسل النبوة ودوحة الشرف المكين، حيث وجه الشريف الرضي أبياته مخاطبا بني العباس
حيث قال:
مامقامي على الهوان وعندي :: مقول صارم وأنف حمي
أحمل الضيم في بلاد الأعادي :: وبمصر الخليفة العلوي
من أبوه أبي ومولاه مولاي :: إذا ضامني البعيد القصي
لفّ عرقي بعرقه سيدا :: الناس جميعا محمد وعلي
الله الله الله يالها من أبيات وشهادة عظيمة.
فهاهو الشريف الرضي يعترف بأن الفاطميين هم من نسل سيدا البشر
محمد وعلي عليهم الصلاة والسلام ويعتبرهم السند والقوة التي يلجأ إليها إذا ضامه
الأعداء مما كلفه مناصب عالية كان يتقلدها في الدولة العباسية البائسة ولو لم يكن
من الأدلة إلا تلك الأبيات التي ترغم أنوف الأعداء وشهرة نسب الفاطميين في الآفاق
لكفى ولكنني
أوردت الأدلة وأعدت كتابتها من مصادر المخالفين حتى نلجم أفواههم بلجام الحقيقة
التي لم تعد تخفى حتى على الأطفال ومع هذه الأدلة والبراهين مازالوا
يرددون السخافات والغثاء من الحديث وسقط القول ومستهجنه دول برهان ولادليل.
قال تعالى: "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين
"وهاهي
الأدلة ماثلة أمام أعين الجميع ولكنه ينطبق عليهم قول الشاعر:
وليس يصحّ في الأذهان شيءٌ :: إذا احتاج النهار إلى دليل
حقيقة أنه لم تُظلم دولة في التاريخ الحديث ولا المعاصر منذ
بداية التاريخ وحركة التدوين البشرية كما ظلمت الدولة الفاطمية وحضارتها المبهرة
الخالدة وذلك بسبب الخصومة المذهبية التي شوهت التاريخ والتراث الإسلامي
بالكذب والخداع والتدليس والتزييف والدس ضد الفاطميين الذي وحدوا أقطار العالم
الإسلامي من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه ونشروا تعاليم الإسلام السمحة
والعدالة والحريات المذهبية والفكرية مما اعتبرته السلطة العباسية في الشرق
والأموية في الأندلس تهديدا لملكهم الظالم البائس المظلم الذي أدخل الشعوب في
دهاليز الظلام والتخلف والفقر والعوز والجهل ردحا طويلا من الزمن تخلله قتل
العلماء والمفكرين والفلاسفة ومطاردتهم وزندقتهم لكي لايفكر أحد ولا يُعمل عقله
لأن في ذلك تقويضا لسلطتهم وسلطانهم البائس
فلما أتى الفاطميون واحتووا العلم
والعلماء وأقاموا الصروح العلمية الخالدة التي مازالت قائمة حتى يومنا هذا وارتقوا
بالأمة في فترة قصيرة جدا كان ذلك بمثابة الإنذار الذي دق ناقوس الخطر بالنسبة
إليهم وحلفائهم الصليبيين الذين لم يعجبهم قيام دولة عربية إسلامية دحرت نفوذهم
حتى وصلت حدود روما. فتكالب الجميع من أجل القضاء على هذه الدولة العظيمة التي كانت خطرا
وعذابا للنصارى والصليبيين والملوك الفسقة الجائرين من العباسيين والأمويين وجنة أرضية
عظيمة ومدينةً فاضلة ودوحة إسلامية يستظل بظلالها المفكرون والعلماء بكافة مشاربهم
ومدارسهم ومذاهبهم المختلفة دون تمييز والشعوب المنهكة التي وجدت ضالتها في
دولة الحرية والتقدم والإزدهار والحضارة دولة الفاطميين التي لم يخلق مثلها بين
الأمم.
اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين
وعلى الأئمة من نسلهم الفاطميين
وذريتهم إلى يوم الدين
وبارك وسلم
حمدان آل مخلص