أنا لست شارلي!!

 

منذ عام 1954 ونحن -جميع الفرنسيين- شركاء في جريمة قتل جماعي، أتت تارة باسم القمع وطورا باسم إشاعة السّلام، على أكثر من مليون ضحية رجالا ونساءً وشيوخا وأطفالا، حُصدوا بالرشّاشات خلال عمليات المداهمة والتفتيش، أو حرّقوا أحيانا في قراهم أو ذبحوا أو بقرت بطونهم، أو عذبوا حتى الموت. قبائل برمتها أسلمت للجوع والبرد والوباء، في مراكز التجميع التي ما هي في الواقع إلا معسكرات استئصال ومواخير عند الاقتضاء للنخبة من فرق الجيش، حيث يحتضر أكثر من 500.000 جزائري وجزائرية".
كانت هذه الأسطر أعلاه الاعتراف الصريح للكاتبة الفرنسية سيمون ديبوفوار تقر فيه بالجرائم القذرة التي ارتكبتها فرنسا إبان الثورة الجزائرية المجيدة التي راح ضحيتها مليون ونصف شهيد ضحوا بأنفسهم و جادوا بها في سبيل التخلص من هذا الاستعمار الذي دام ١٣٢ عاما ارتكبت فيها فرنسا وجيشها البربري مالا يخطر على فكر بشر من جرائم بشعة لا يستطيع أن يجاريهم فيها حتى أكثر الشياطين قذارة وإجراما.
بدأ الاحتلال الفرنسي للجزائر في سنة ١٨٣٠م بعد حادثة المروحة الشهيرة التي اتخذتها فرنسا ذريعة واهية لاحتلال بلد مسلم والسيطرة على مقدرات شعبه وثرواته وغدرت بهم بعد أن قدمت الجزائر يد العون للفرنسيين إبان الثورة الفرنسية على النظام الملكي والإقطاعيين، وبعد احتلالها للجزائر بدأت فصول أبشع احتلال على مر التاريخ عانى فيه الشعب الجزائري ما لا يمكن وصفه من شتى أصناف العذاب والتنكيل من هذه الكائنات الفرنسية التي جلبت معها الموت والتخلف والنهب الممنهج على مدى أكثر من قرن لم يوفروا فيها وسيلة للتعذيب ولا طريقة بشعة للتنكيل والقتل إلا واستخدموها ضد هذا الشعب المقاوم البطل الذي ظل يقاوم طوال هذه المدة وعلى مدى ١٣٢ عاما بذل فيها الأموال الأرواح والدموع والدماء الزكية التي روت الأرض الجزائرية لتنبت الشموخ والإباء والكرامة التي تشربها هذا الشعب الأسطوري الذي بدأ مقاومته بعد عامين من الاحتلال بقيادة القائد البطل الأمير عبد القادر الجزائري لمدة ١٥ عاما جعلت الجيش الفرنسي الجبان بعد أن أذاقه الأبطال المر وتكبد الخسائر يصاب بالسعار والجنون فأخذ يعتدي على النساء والأطفال في القرى ويقتل الشيب والشباب العزل والضعفاء والأطفال وينحرهم بدم بارد لتركيع المقاومة والمجاهدين وتحطيم معنوياتهم حتى وصلت بهم الخسة والانحطاط أنهم كانوا يقتلون الحيوانات والمواشي ويغتصبون النساء ويأسرونهن ويبيعون المدنيين مقابل الحيوانات.
تصوروا وقد اعترف الجنرال القذر مونتانياك الذي كان يقود الجيش الفرنسي في سكيكدة في رسالة إلى الرئيس الفرنسي بهذه الجريمة التي لايتصورها عقل مفاخرا بقوله: "كنّا نلاحق العرب حيثما وجدناهم ونستولي على كلّ ما بأيمانهم من النساء والأطفال والقطعان والأشياء الثمينة. وفيما يتعلق بالنساء، فإنّنا نأخذ بعضهنّ سبايا ونقايض الباقي بالخيل أو نبيعهن في المزاد العلني مثل الحيوانات".
رغم انتهاء ثورة الأمير عبدالقادر فقد استمر الشعب الجزائري في المقاومة وزادت جرائم فرنسا بشاعة تفوق أي تصور نكلت خلالها بالشعب الأعزل الذي كان يواجه أعتى الجيوش والآلات العسكرية بصدور عارية مليئة بحلم الحرية الذي ظل يداعب مخيلة كل جزائري من أصغر طفل إلى أكبر قائد وها هو جنرال لعين آخر يدعى كافينياك يعترف بجريمته المدمرة وإبادته بالحرق لكامل قبيلة بني صبيح وهم أحياء وحتى المتاع والحيوانات لم تسلم من هذا الوغد وذلك في عام ١٨٤٤م يتشدق بكل وقاحة فيقول: "لقد تولّى الجند جمع كميات هائلة من أنواع الحطب، ثمّ كدّسوها عند مدخل المغارة التي حملنا قبيلة بني صبيح على اللجوء إليها بكل ما تملك من متاع وحيوانات، وفي المساء أضرمت النيران وأخذت الاحتياطات كي لا يتمكن أي كان من الخروج حيا".
ومع مطلع القرن العشرين وبعد أن رأت فرنسا إصرار ومقاومة هذا الشعب البطل قررت أن تحاربه وتحطمه ثقافيا واجتماعيا بالتوازي مع القتل ومعسكرات التعذيب التي كان يجري فيها حرق الجزائريين وهم أحياء وتقطيع أطرافهم عبر ربطهم بالمعدات وجرها وكذلك تعريتهم وإجبارهم على الجلوس على كراسي تثبت فيها المسامير وإجلاسهم على الزجاج الحاد وبقر البطون وحرق جفون العين وإطلاق الكلاب البوليسية لتنهش الأبرياء وهم أحياء وغيرها من الجرائم التي يعف القلم واللسان عن ذكرها ووصل بهم الإرهاب والإجرام أن أسسوا آنذاك مدرسة جان دارك لتعليم أساليب التعذيب البشعة القذرة تفوقوا فيها على مجرمي التاريخ منذ نيرون مرورا بالنازية وليس انتهاءً بحلفائهم من أحفاد القردة من بني صهيون الذين أحرقوا غزة بمن فيها حتى جعلوها أثرا بعد عين.
وأخذت فرنسا تمنع تدريس اللغة العربية وتعتقل العلماء وتغتالهم وتغلق المدارس ومراكز تعليم اللغة وتحفيظ القرآن الكريم وأخذت تشجع اللهجات الشعبية و تقلل من قيمة الفصحى وكانت تجبرهم على تعلم الفرنسية في هجمة شرسة لطمس الهوية العربية الإسلامية لتدجين الشعب البطل بعد فصله عن لغته ودينه ومع ذلك لم يخضع الشعب الجزائري ولم يستسلم حتى قامت ثورة التحرير عام ١٩٥٤ م التي راح ضحيتها أكثر من مليون شهيد سطروا أروع الملاحم في مواجهة هذا العدو الهمجي الغجري الحاقد وخرج منها مدحورا مذموما بعد معاناة ودماء وتضحيات كبيرة من شعب البطولات والأمجاد الذي أدرك أن ما أخذ بالقوة لايسترد إلابالقوة وأعلنت الجزائر استقلالها في عام ١٩٦٢م من براثن هذه الدولة الهمجية التي تتشدق بالحريات وحقوق الإنسان وهي التي لم يسلم منها حجر ولا بشر ولا حيوان ولا مدر، وقد استمرت في قتل الجزائريين حتى بعد الإستقلال عبر تجاربها النووية في الصحراء الجزائرية حتى وصل عدد الضحايا إلى عشرة ملايين على مدى قرنين من الزمان منذ ١٨30م حتى عام ٢٠١٤ م ، ومع ذلك لم تعتذر فرنسا عما ارتكبته من فضائع وجرائم بحق الملايين من الجزائريين ناهيك عن ضحاياها في سوريا وتونس والمغرب ومالي ثم أشعلت الحرب على ليبيا في ثورة الثيران الإرهابية وقصفت الليبيين وقتلت عشرات الآلاف ودمرت المنشئات والحياة ودعمت الإرهابيين الذي نحروا الشعبين السوري والعراقي وكانت رأس حربة في حربها ضد الشعوب العربية والمسلمة التي ذاقت الويلات والدمار والتشريد والقتل حتى وصل بنا الحال أن نرى الأطفال في سوريا يموتون من البرد والجوع في منظر مقزز ومهين ومؤلم.
 لم تكترث فرنسا لأطفال غزة وشيوخها ونسائها وهي ترى وتعين آلة الدمار الصهيونية لتعيث فسادا وتقتيلا وتدميرا ولم تسلم حتى مراكز المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة من التدمير حتى قضت على كل معاني الحياة الجميلة.
لم تعتذر فرنسا الصليبية عن كل هذا القتل وكل هذه الدماء التي أراقتها في سبيل مطامعها وحربها على الإسلام والعرب ولم تُدر لكم بالا ولم تضرب لكم حسابا فلماذا كل هذا البكاء والعويل والصراخ ياشرذمة الذل والهوان على مجموعة من الخنازير شتمت نبينا صلى الله عليه وآله وسلم؟ وتطاولت عليه وعلى أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام بأبشع التعليقات والرسومات ومما يدعو للإحباط والأسى ومما يدعو للضحك والسخرية والاحتقارأن يسارع الفرقاء المسلمون وهم أنظمة قطر والسعودية وإيران والجامعة العبرية لاالعربية والأزهر لإدانة قتل الرسامين المجرمين وتصنع البكائيات وهم مازالوا يريقون الدماء المسلمة ويوجهون فوهات البنادق تجاه بعضهم البعض في سوريا والعراق واليمن ثم يسارعون لإرضاء فرنسا الإرهابية التي دعمت وآوت ومولت الإرهابيين فكانت النتيجة أن ذاقت قليلا مما أذاقته لشعوبنا وأوطاننا وقد أكدت ذلك رئيسة الجبهة الوطنية في فرنسا مارين لوبين مطلع العام المنصرم حيث قالت:" إن الفرنسيين بحاجة لمعرفة الهدف من تدخل القوات الفرنسية ضد تنظيم داعش فالحكومة الفرنسية حتى الآن غير متسقة في سياساتها ولا تملك أي هدف محدد فهي تساعد المتطرفين الأصوليين في سورية كما فعلت في ليبيا بحجة أنها غير متفقة مع الرئيس بشار الأسد من ناحية وتتظاهر بأنها تكافحهم في العراق من ناحية أخرى ، وقالت أيضا عن عراب الثورات العبرية في الوطن العربي الصهيوني برنارد هنري ليفي أنه "فقد مصداقيته ويداه ملطختان بالدماء فهو من دفع نيكولا ساركوزي إلى التدخل في ليبيا ووضع الأصوليين والمتطرفين على رأس البلاد لملاحقة ومطاردة المدنيين وقتلهم جميعاً ويسعى للقيام بالأمر ذاته في سورية حيث يساعد المتطرفين على الوصول إلى السلطة
بالنسبة لي لا يهمني من الذي خطط ومول عملية شارلي ايبدو ولا الخلفية الثقافية والفكرية للمنفذين ولا أكترث لتحليلات البعض الساذجة أنه مخطط استخباراتي غربي لتشويه الإسلام فالغرب والصهاينة لا يحتاجون لهذه العملية أو غيرها لأنهم يحتلون أوطاننا بالفعل وينهبون ثروات الأمة ومقدراتها ويسفكون دماءها بطائراتهم ودباباتهم وقواعدهم العسكرية وعملائهم من الجماعات الإرهابية التي ساهمت في تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ وتحطيم المحطم وتفتيت المفتت،  الأهم من كل ذلك أن يعلم الغرب الكافر والنصارى واليهود بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دونه تبذل الأرواح والأموال والأوطان ولن نرضى بالتطاول عليه ولا حتى بنقده ولا الإشارة أو حتى الإيماء بذلك من بعيد أو قريب فدون ذلك أشد من خرط القتاد لأنه أقدس المقدسات وأطهر المخلوقات وأغلى من الأرواح والممتلكات، ولاتهمنا حرياتكم المزعومة القذرة التي تسمح بشتم المقدسات والأنبياء وتمنع الحجاب وتضيق على المسلمين في أبسط حقوقهم، هذه الحرية التي تسمح باستفزاز مشاعر المسلمين وازدراء الإسلام ولا تسمح بحرف واحد عن أقذر صهيوني مهما كان جرمه تحت بند وفزاعة معاداة السامية. 
في فرنسا احتشد خمسون من قادة العالم لأجل مجموعة قذرة من المجرمين الذين قتلهم اثنان من أصول جزائرية ممن عانت بلادهم من ويلات الإجرام الفرنسي ولم نرى ثلاثة أو حتى اثنان من هؤلاء القادة يقفون حدادا على الآلاف الذين سقطوا في غزة وفلسطين جراء العدوان الصهيوني عليها، ومن المفارقات أن يصطف محمود عباس الخائن في صف واحد مع مجرم الحرب الصهيوني نتن ياهو والدم الفلسطيني مازال ينزف على أرض الصمود والتضحيات فلسطين المحتلة، فأي هوان تعيشه هذه الأمة حتى أصبحت دماء مئات الآلاف بل الملايين من المسلمين من بورما إلى اليمن بهذا الرخص.
أقول لكل من لطم وصاح وتضامن وبكى من المسلمين المتخاذلين كان الأولى بكم أن تتضامنوا مع أهل غزة وسوريا والعراق وليبيا واليمن وعلى امتداد الوطن العربي الذين يقتلون بالجملة وتوفروا دموعكم وحناجركم للزمن.
ما أوردته من جرائم لفرنسا في الجزائر لوحدها هو غيض من فيض ناهيك عن استعمارها لتونس والمغرب وسوريا وغيرها وارتكابها للمذابح والإبادات الجماعية لملايين البشر عبر التاريخ ولو أردت سردها لطال بنا المقام وامتد الحديث. 
و ما قام به الأخوان كواشي هو نتيجة حتمية وطبيعية لجرائم فرنسا ودعمها للإرهاب وكان لابد أن يرتد عليها ذلك مع ما تقوم به من استفزاز للمسلمين وتضييق عليهم في الداخل وقتلهم في بلدانهم وتدمير أوطانهم ومن الجميل أن تذوق طعم الدم الذي لطالما أذاقته لأمتنا عبر عقود إجرامها الطويلة.
ورد عن وزير التعليم الفرنسي أن مجموعة من الطلبة في المدارس الفرنسية لم يقوموا حدادا على قتلى مجلة شارلي ايبدو لأنهم كانوا يرون أنهم يستحقون ما جرى لهم فهلا اقتديتم بهؤلاء الأطفال والطلبة الذين كانوا أكثر شجاعة وشرفا منكم يا أصحاب النفاق والقلوب الرقيقة المرهفة والإنسانية الجوفاء والعقول السخيفة والهمم الرديئة، الجهل بتاريخ الأمم والثقافة الهزيلة والاستلاب الفكري و الارتهان الثقافي للمستعمر والمحتل الغربي هي التي أخرجت هذه النماذج الغبية والمهينة التي استمرأت العبودية للغرب وتشربت الذل والهوان كما تشرب بنو إسرائيل عبادة العجل الذي صنعه السامري.
هناك من رفع شعار أنا لست شارلي نكاية في الشعارات المتضامنة التي رفعها المتضامنون مع القتلى الصهاينة أنا شارلي، وأنا أيضا أرفع شعار أنا لست شارلي ولن أكون يوما في صف هذه الكائنات النتنة المجرمة التي نالت ما تستحق وكما قيل لم آمر بها ولم تسؤني وإنما أسعدتني وأنا مسلم عربي يعشق سيد البشر والمخلوقات ونبي الرحمة والأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي وعده الله وكان وعده الحق بقوله: "إنا كفيناك المستهزئين". وصلى الله على نبينا الأكرم الأعظم وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وبارك وسلم.

حمدان آل مخلص

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سيدنا آدم عليه السلام ؛ هل تزوج الأولاد بالبنات؟

الإمام الحاكم بأمر الله والحقيقة المغيبة

رد الشبهات بالبراهين والبينات