ڤولتير والشيعة
لماذا ڤولتير؟ ومادخله في الشيعة؟
أعلم أن هذه الأسئلة هي أول ماسيتبادر إلى ذهن القارئ بسب
عنوان المقالة الغريب نوعا ما.
ولكن لم الإستعجال. تريثوا
قليلاً بارككم الرب !وقبل أن أوضح العلاقة بين ڤولتير والشيعة.
دعونا نستعرض الأحداث التي أغرقت الوطن العربي في دوامة من
العنف والقتل والحروب الأهلية التي أتت على الأخضر واليابس وحتى الحجارة الصماء.
ما الذي يحدث؟ و ما هذا الدمار والحرائق التي انتشرت في بلدان الخريف العربي؟
ما هذا الجنون؟ حتى أصبح القتل على الهوية بل أصبح حتى
على حروف اسمك إذا كانت من طائفة مخالفة فأنت ستكون ضحية.
حروف اسمك الذي أصبح وبالا على صاحبه
هل هي بسبب سياسة الأنظمة
الطائفية التي لاتستطيع توطيد أركان حكمها إلا بتأجيج الطائفية وإلهاء الشعوب عن
المطالبة بحقوقها وحرياتها ورغبتها في العيش الكريم والرقي والتقدم؟ أم إنها بسبب
الثقافة الدينية المتزمتة والخطاب الأصولي الذي رسخ مفهوم أن المسلم الذي ليس من
طائفتك هو أولى بالقتل وأكثر خطرا من اليهود والنصارى وأخطر حتى من إبليس ذاته؟ أم هومخطط
إمبريالي عالمي لتقسيم المنطقة وتجزئة المجزأ وتفتيت المفتت والسيطرة على ثروات
هذه الشعوب بعد أن يبيد بعضها الآخر والعدو الصهيوني يتفرج من شرفة البيت الأبيض
ويطالع بمنظار حلف شمال الأطلسي؟ أم أن المتطرفين الذين انبثقوا من فكر الوهابية والأخوان
المتأسلمون هم الذراع الذي عاث فسادا في جسد الأمة بعلم أو بغباء التطرف دون
العلم؟ أم هي كل هذه الأسباب مجتمعة؟
وماذا عن الداخل والوطن؟ ما هذه
الإستقطابات الطائفية والعداوات المذهبية والتجاذبات المناطقية حتى أصبح هناك هوة
فكرية وثقافية سحيقة بين أبناء الوطن الواحد حتى وصل بأحد من يحسب نفسه على
الثقافة والمثقفين أو المتثيقفين بالأحرى
فيطالب بإخراج أهل القطيف والشيعة
من بلدهم الذي عاشوا فيه وأجدادهم قبل أن ينشأ الحلف الديني السياسي بين آل سعود
وآل الشيخ واستفادوا من ثروات بلادهم من الذهب الأسود وحرموا أهلها الأصليين
حتى أن يعملوا في الشركات التي تستخرج نفطهم،
أصبحوا يستحقون الإبادة لأنهم
طالبوا بحقوقهم المشروعة. أليس دم المسلم حراما؟ أين هو دور المثقف الشجاع الذي
تحرر من نير العبودية الفكرية والمذهبية والتعصب لكي يلعب الدور المنوط في
المطالبة بالحقوق والعدل والتنمية المستدامة والوقوف في صف المظلومين والمضطهدين
بغض النظر عن طائفتهم حتى لو كلفه ذلك ما كلفه؟
وهنا نعود قليلا للوراء في زمن التنوير وتحديدا في عام ١٧٦٣م
في فرنسا عندما ألف ڤولتير رائعته التي انتصر فيها لشخص ليس من طائفته الكاثوليكية
التي كان يسيطر متطرفوها ورجال الكهنوت الديني المتعصبون على كل شيء تقريبا في
فرنسا حيث كانت عائلة جان كالاس التي تنتمي للأقلية البروتستانتية في مدينة
تولوز قد فجعت بابنها الذي انتحر. فقام رجال الكنيسة المتطرفون بتلفيق تهمة للأب
المفجوع بابنه وأنه قتل ابنه لأنه أراد أن يتحول ويهتدي للكاثوليكية) السلفية)
J
فقاموا بإعدامه رغم توسلاته
وبكائه المرير المضاعف على خسارة ابنه وظلمهم له باتهامه بقتله وعندما علم
ڤولتير (الكاثوليكي) لم يتمالك أعصابه وثار وغضب وقام بتأليف كتابه الرائع (مقالة في
التسامح) هاجم فيها رجال الكنيسة المتعصبين هجوما شرسا وسبب هزة في الوسط الثقافي
والفكري والديني في فرنسا تصدى فيها للمجاميع الكنسية الشرسة التي كانت تكفر وتهدر
دم كل ممن يخالفها بحجة أنه خالف تعاليم الرب
.
وكأن الزمن يعيد نفسه
هنا. فالأغلبية
الوهابية بمثقفيها و متعصبيها ورجال الكهنوت الديني يستحلون دماء الأقلية الشيعية
ويرون أنهم يستحقون الإبادة لأنهم ليسوا من الفرقة الذهبية المعصومة التي لا يأتيها
الباطل من بين أيديها ولا من خلفها فرقة الشنار والعريفي والقرني والعلوان فهم
المسلمون فقط والبقية كفار في نظرهم ويجب إبادتهم وقتلهم وسحق جماجمهم كما يشتهي
فضيلة الشيخ البريك حتى من يزعم أنه منفتح ومثقف يطالب بإبادة هذه الأقلية دون مراعاة
لأدنى معايير الإنسانية والإسلام.
نعم هو نفس الوضع في فرنسا في القرن الثامن عشر ولكن مايميز ذاك
العصرهو أنه كان هناك فيلسوف ومفكر وقبل هذا وذاك إنسان شجاع استطاع أن يصرخ في
وجه المتطرفين والمتشددين في طائفته ويرفع كتابه الذي سيضل خالدا في وجه الظلم
والتطرف حتى لو عرضه لخطر القتل والتكفير.
أما نحن ففي أسوأ حالاتنا في انتظار
ڤولتير عربي يأخذ زمام المبادرة
وينتشل واقع الفكر العربي والإسلامي البائس مما هو فيه من تردي وانحطاط بسبب حركات
الصحوة ومنظمات التطرف الإرهابية
فهل عرفتم الآن الرابط بين ڤولتير والشيعة!
حمدان آل مخلص