خاطب عقلها يا هذا

دائما ما تكون الظروف المحيطة بالفرد والمكون الثقافي والعادات والتنشئة والتربية هي الرافد الأساسي لتشكيل شخصية كل إنسان حسب البيئة التي نشأ فيها والقيم التي تشربها على مدى تدرجه في المراحل العمرية المختلفة في حياته وهي من سيقولب شخصيته بقالب معين يناسب المجتمع الذي يعيش فيه أو حتى من الممكن أن يضطر للتأقلم مع المحيط الخارجي حتى يشعر بالقبول وإن كان ذلك ضد توجهه وفكره ، ويتجلى ذلك بوضوح في المجتمعات العربية والخليجية على وجه الخصوص، وخاصة المجتمع السعودي القبلي والذكوري جدا، بل تجد أن المجتمع في تطرفه وتناقضه وتدينه الزائف وديكور المثالية والدجل بل وحتى التجهم البادي على الوجوه يكاد يكون متطابقا في كل أنحاء المملكة.
ما دعاني لهذه المقدمة هو الممارسات السلبية في المجتمع الخارجي والتي انتقلت بشكل غريب إلى فضاءات الإنترنت وأقصد شبكات التواصل الاجتماعي وتويتر تحديدا، وسأكون في غاية الوضوح فما نراه من نظرة دونية شهوانية تحقيرية للمرأة وللنساء في هذا الموقع الذي يفترض به موقعا للتواصل الحضاري الراقي مع الجنس الآخر شيء يدعو للامتعاض والتقزز.
فمازال الكثير من الشباب والرجال ينظرون للمرأة كجسد جميل يريدون الوصول إليه بأي طريقة كانت وبأي وسيلة مهما كانت دناءتها (ولا أعمم هنا طبعا فهناك الخيرون)، فعلى الرغم من وجود بعض العقليات الجميلة والراقية لكثير من الأخوات والتي تدعو للفخر والاحترام والتقدير إلا أن البعض من الأراذل وأرباع الرجال وسقط المتاع يسعى حثيثا وبكل جهد لكي يصطاد هذه الفريسة قبل أن يلتقطها الصياد الآخر في تسليع رخيص للمرأة وفكر رديء فرضته عليه بيئته الرديئة التي رسخت في ذهنه السقيم أن المرأة ليست إلا قطعة منحوتة من الطبيعة ويجب عليه اقتنائها وتملكها لأن هذا أقصى ما خرج به من تفسير حول هذا المخلوق في حياته الشهوانية البائسة.
فتحد البعض منذ أن ينهض من فراشه صباحا أو ظهرا (ربع حافز) وحتى موعد نومه وهو يقف حارسا على باب المنشن للمغردات يكيل لهم القصائد والأشعار والكلمات ذات الجرس الموسيقي وعبارات المديح والإطراء ويبين لها أنه معجب بعقليتها الفذة وكتاباتها الرائعة وما إن تتقدم له بالشكر إلا وتجده عندها ضيفا ثقيلا في الخاص يكمل مشوار النفاق والكذب والخداع الذي يختمه بطلب حقير للتواصل معها عبر الجوال.
وهناك من يقدم لها النصائح الدينية ويجعل من نفسه قديسا مثاليا ويطلب منها الابتعاد عن بعض الأشياء التي تسيء لها وسرعان ما يتحول مسار الحديث إلى التغزل ومعسول الكلام وكأنه قد ضمن هذه المتيمة التي يعتقد أنها وقعت في غرام هذا المنقذ (ميتة في دباديب الخبل)، بل حتى أنصاف المثقفين من المتكيتبين التافهين عندما تثني عليه مغردة أو تشكره يضع رقمه فورا في الخاص وكأن هذه الإنسانة المحترمة تنتظر نظرة أو ابتسامة حتى يسيل لعابها على هذا الفارس الوسيم وستذوب فورا بمجرد أن يقتحم عليها عالمها (صدق نفسه جورج كلوني)، ولم يعلم هذا الغبي ومن هم على شاكلته أو لم يفكر لمجرد تفكير أن يعتبرها كأختٍ تشيد بأخيها لكلمات عابرة أعجبتها، ناهيك عمن يمتنع عن الرد على المغردات في العام حتى لايسيء للبرستيج والمظهر العام لهذا المغرد (الخنفشاري) الذي توهم أنه رئيس الولايات المتحدة، وكأن أخواتنا شيء مدنس سيدنسنا والعياذ بالله وسرعان ما يقفز هو الآخر بدوره في الخاص يقدم الخدمات (التخرفنية) الجليلة وهو الذي تجاهلها أمام العالم ويرد على غيرها من المغردين الذكور وهي ربما تكون هي أفضل منهم بعشرات المرات علما وثقافة وخلقا وأدبا وفكرا.
هذا غير الذي يقتحم عليك المنشن (يدرعم) ويكيل لك من السباب والشتم عندما تختلف مع مغردة ما حول قضية فكرية معينة فأنا أناقش عقلا وفكرا ولذلك ليس بالضرورة أن أتفق معها، وهذا الغبي يعتبرها جسدا مغريا وفرصة للتكسب أمامها فيدخل وهو يعاني من الخواء الثقافي والضحالة المعرفية والسطحية الفكرية وعندما ينكشف وتظهر سوأته العقلية أخذ يخصف عليها من ورق السب والشتم حتى يحفظ ماء وجهه الذي أراقه على عتبات المنشن، بل هناك من وصلت به الخسة والوقاحة أن يكتب ردودا فيها إيحاءات جنسية عفنة ويغلفها بالضحك السامج الذي يدمي العقل والفكر معا، والكثير أيضا من المغردات عندما ترى من الخروف بعض التصرفات والتزلف المقيت تتصرف بتغافل وتعامي لعل هذا (الدرباوي) يفهم ويعقل وينسحب بهدوء كيلا تجرح مشاعره، ولكنه للأسف يعاني من الغباء والاستحمار المنقطع النظير وتسيطر عليه الجينات (الإستدلاخية) فيزيد من تلميحاته الغبية ظنا منه أنها لم تفهم، فتضطر أن تقعمه بردٍ قاصف أو (بالبلوك) على جبهته التي تعودت على الصفعات المتتاليات (فقع كبدها الدلخ)
ولمن قرأ وتبحر في التاريخ والتراجم والسير منذ بداية التاريخ البشري يعلم أن المرأة كان لها بصمة كبيرة وجيدة وأثرت على مسار الفكر البشري في منعطفات عدة، بدءاً من الفيلسوفة الكبيرة أرستوكلي التي كانت تدرس الفلاسفة الكبار الذين تخرجوا على يدها في معبد دلفي مرورا بسينشيا الملطية التي كانت عبارة عن عقلية جبارة لا مثيل لها ولاننسى هبيشيا الإسكندرانية وما قامت به من فتح كبير في الفكر الفلسفي حتى تم التحريض عليها من قبل رجال الدين وسحلها في الطرقات ناهيك عن الملكة الحرة أروى الصليحية التي حكمت اليمن مدة طويلة وأدارت الجيوش والمملكة وكانت معلمة عظيمة من الطراز الرفيع جدا واستطاعت الإمساك بزمام الأمور بشكل مذهل وعجيب أذهل المؤرخين والمفكرين على امتداد العصور وماذا عن الفيلسوفة حنة أرندت التي تفوقت على الفلاسفة وقارعتهم بفكرها الفذ وذكائها الخارق وكان انتاجها الفكري والفلسفي محطة تستحق الوقوف والتأمل فيها طويلا، ومن لم يسمع بمارغريت تاتشر التي لقبت بالمرأة الحديدية حيث استطاعت السيطرة على الحزب ورأب الصدع والخلافات الداخلية ثم قادت بريطانيا وانتشلت الاقتصاد البريطاني من الحضيض ناهيك عن سياستها الخارجية الصلبة والقوية حتى كانت بصمتها واضحة جلية على التاريخ الإنجليزي بسلبياتها وإيجابيتها، ويكفي النساء شرفا أن تكون الزهراء عليها سلام الله وبركاته سيدة نساء أهل الجنة وأعظمهن على الإطلاق فهي مصدر الأنوار الملكوتية وابنة سيد البشر وأبنائها أسياد الجنة وزوجها الكرار عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين.
ونصيحتي لكل رجل؛ أن تتبع قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "النساء شقائق الرجال" ، ولم يقل الذكور، فكل من يرى في نفسه عنوان الرجولة والشهامة والأنفة سيطبق الآتي :
حاول قبل أن تدخل تويتر؛ أن تجرب معاملة النساء كعقل جميل تتناقش معه وتبعد خيالاتك وتضعها على رف النسيان مؤقتا، ووظف تصوراتك حول جمالها وضعها على هي عقل جميل يستحق الاحترام كما تحترم أي رجل مثقف ومفكر دون أن يخطر على بالك جسدها أو وجهها أو شعرها أو أي شيء آخر، حاول أن تعاملها كأختك في نقاش بين أخوة ينتهي إما بتوافق أو تضاد ولاتجامل ولاتحابي على حساب قناعاتك أو توجهاتك من أجل الجسد، بل اجعل جل تفكيرك على أنها عقل وأخت تستحق النقاش في جو يسوده التقدير دون أن تعاملها بتصنع ورغبات سخيفة حتى تكسب ثقتها وأخوتها واحترامها لك. 
ملاحظة:

كنت في مقالة أشباه الرجال قد تجادلت مع قلمي وكان يرفض أن يكتب عنهم حتى أقنعته بعد جدل وتعب فاضطررت أن أغمض عينه الحبرية الخلابة هذه المرة لأني أعلم أنه سيرفض الكتابة عن هؤلاء الذكور وعندما أزلت الغطاء ورأى المقالة أصيب بإغمائه وخر صريعا وتوقفنا هنا.

حمدان آل مخلص

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سيدنا آدم عليه السلام ؛ هل تزوج الأولاد بالبنات؟

الإمام الحاكم بأمر الله والحقيقة المغيبة

رد الشبهات بالبراهين والبينات