صدام العميل والتاريخ الضليل
عبر تاريخنا الإسلامي الممتد ظل الطغاة والمستبدين والمتجبرين
يتحكمون بالرقاب والأموال ويظلمون البشر عبر نافذة الدين وفتاوى علماء البلاط
والسلاطين الذين جيروا الدين وحرفوا مساره القويم الذي يحث على إرساء قواعد الحق
والعدل والمساواة وأسسوا قاعدة جديدة تتمثل في أن من تغلب
وامتلك زمام السلطة والحكم فكل ما يصدر عنه هو الحق والدين والشريعة حتى وإن كان
فاجرا منحرفا ظالما يسرق قوت الفقراء ويسومهم سوء العذاب.
فهو الخليفة الذي يجب
أن تطاع أوامره وتبرر أفعاله وتجمل أقواله فاسمع وأطع ولا تقل له أفٍ ولا حتى تحدث
نفسك بالسر أن تنتقده وإلا أصبحت من الذين يموتون ميتةً جاهلية شنيعة وسيخرجك
علماء السلطان من الملة إن أنت حركت شفاهك إن تألمت من ضرس العقل حتى وإن جعلك ألم
العقل مجنون وحقيقة أن التاريخ الإسلامي والعربي زاخر بالطغاة السفاحين المجرمين
الذين تم تجميل صورتهم من خلال المناهج الدراسية البائسة وجعلهم مصلحين وملائكة
والفاتحين الذين خدموا الإسلام بغزو البلدان واكتساب الجواري والذهب والفضة والخيل
المسومة والأنعام فأصبح معاوية بن أبي سفيان صحابيا فوق الجميع عندهم وأوهموا المساكين
بأنه نصر الإسلام واخترعوا لقب خال المؤمنين الذي لا يجوز انتقاده وسربلوه بسربال
العصمة وخففوا من حربه للخليفة الحقيقي الذي بايعه المهاجرون والأنصار
والبدريون وهو الإمام علي عليه السلام واعتبروا خروجه عليه غلطة بسيطة لا يجوز
الخوض فيها وإن ذهب ضحيتها ٧٠ ألفا وقيل أكثر فمعاوية في نظرهم اجتهد وأخطأ وسيأخذ
أجرا على اجتهاده الذي كلف المسلمين أرواحهم
ولم يخبروا النشء أنه كان يحارب
الإمام من جهة ويجيش الجيوش لقتال المهاجرين والأنصار ويقتل الصحابة النجباء ويرسل
الهدايا والأموال الطائلة لملوك الفرنجة البيزنطيين المتعصبين ضد الإسلام لم يخبروا
النشء عن يزيد الذي استباح المدينة و افتض جيشه بكارة الف بكر من بنات الصحابة في
وقعة الحرة ثم قتل حفظة القرآن والمؤمنين وقتل سبط رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم و ريحناته وقيد نساء بيت النبوة بالسلاسل والأغلال وعاث في الأرض فسادا وظلما
وقام بأفعال تتفطر من السماوات والأرض ولم يكشفوا عن قذارة الحجاج الذين مجدوه
وجعلوه الفاتح الذي لم يخلق مثله وحافظ والقرآن وهو الذي رمى الكعبة بالمنجنيق حتى
هدم أحد جدرانها وأحرق أستارها من أجل أن يسعد قلب سيده الطاغية اللعين مروان بن
عبدالملك الذي أراد قتل عبدالله بن الزبير الذي احتمى بالكعبة بأي ثمن وإن أحرق
مكة بمن فيها والقائمة طويلة جدا لو استقصينا طغاة العباسيين والعثمانيين لما
اكتفينا بالمجلدات ناهيك عن مقالة أو بحث.
الشاهد من كل ذلك أن هذا التجييش الفكري والإعلامي والديني
لصالح الطغاة رسخ ثقافة مسخ جعلت الإنسان العربي يعشق جلاديه وإن كانوا على أردى
المستويات في العمالة والتبعية للعدو. وأكبر شاهد على ذلك هو ما نراه الآن من
تمجيد وتعظيم لشخصية دمرت بلدها وخانت شعبها وقتلته ودمرت ثرواته وجلب الدمار
الخراب لبلد الحضارات والثروات والتاريخ ومن غيره
صدام حسين الذي أصبح الآن شهيدا
وبطلا وفارسا لايشق له غبار بعد أن كان ضيفا دائما على
CIA متنقلا بين أروقة جهاز المخابرات
الأمريكي ، فأغلب القطيع لايعلم عن تاريخ هذا العميل إلا حربه مع إيران التي
أنهكت الحرث والنسل وخرج منها العراق مديونا ومدمرا ومنهكا فأصبح بطلا
عند الرعاع والقطيع لأنه حارب الشيعة ولم يعلموا مافعله بالسنة قبلهم فصدام منذ
سنوات شبابه الأولى كان عبارة عن لاشي مجرد مجرم يقطع الرقاب كما وصفه أحد رجال
المخابرات الأمريكية فبعد أن قام عبدالكريم قاسم بالإنقلاب على النظام الملكي سنة
١٩٥٨العميل للغرب وبعد أن أعلن انسحاب العراق من حلف بغداد الذي كان يضم إيران
وباكستان وتركيا وبريطانيا وأخذ يتقرب للسوفييت والشيوعيين
انتفض الأمريكان وشعروا بتعديد
مصالحهم لدرجة أنهم رأوا أن العراق في ظل حكم عبدالكريم قاسم هي أخطر بقعة في
الأرض لما يشكله موقع العراق من أهمية استراتيجية عظمى سواء من ناحية الموقع
أو من ناحية الثروات وخاصة البترول الذي قال عنه قاسم أنه يجب أن يكون للعراقين فقامت
المخابرات الأمريكية بتجنيد صدام حسين ضمن ستة أشخاص للتخطيط لاغتيال عبدالكريم
قاسم واستأجروا لصدام ومجموعته شقة في شارع الرشيد لرصد تحركات عبدالكريم قاسم من
أمام مكتبه في وزارة الدفاع وتنفيذ الاغتيال
وتم تحديد موعد العملية في ١
أكتوبر ١٩٥٩ ولكن العملية باءت بالفشل بسبب اندفاع وحماقة وغباء الشاب الصغير
صدام حسين الذي لم يتجاوز ٢٢ عاما في ذلك الحين) لاحظوا منذ متى وصدام في أحضان
الأمريكان) فعندما مرت السيارة التي تقل قاسم قام صدام بإطلاق الرصاص باتجاه
السائق وقتله وأصاب عبدالكريم قاسم في ذراعه وكتفه ولكنه نجا من الموت بأعجوبة وأصيب صدام
في فخذه من أحد رفاقه بالخطأ فقامت المخابرات الأمريكية والمصرية بتهريبه إلى تكريت ومن
تكريت إلى سوريا ومن سوريا إلى لبنان وأقام فيها مدة تم علاجه فيها وكانت
المخابرات الأمريكية تدفع كافة التكاليف الباهضة لعلاجه وتدريبه ثم تم نقله بعد
ذلك لمصر وسكن في حي الدقي الراقي الذي لايسكنه إلا أصحاب الأموال والأغنياء وكان
دائم التواجد في السفارة الأمريكية وكانت كل التكاليف تدفع من قبل الأمريكان
لتهيئته للعودة وذلك بإشراف واعتراف رجل العمليات في المخابرات الأمريكية مايلز
كوبلاند الذي كان يشرف على صدام ويدربه شخصيا
لدرجة أن رجل المخابرات جون
بيركنز يقول في احدى اعترافاته المسجلة أن صدام ابننا وأحد رجالنا. وهذا هو
المقطع http://m.youtube.com/watch?v=VRal5QEx-cc
وفي عام ١٩٦٣ تم اغتيال عبدالكريم قاسم في انقلاب بعثي تم تحت
اشراف وتخطيط الأمريكان وأصبح صدام هو المسؤول الأول في المخابرات العراقية بأمر من الCIA
وأخذ يفتك بالخصوم السياسيين بمعونة الأمريكان
بالقتل والسحل الاغتيالات وتدرج حتى استولى على السلطة
وبدأت العراق في الدخول في دوامة
الجبروت الصدامي والحروب العبثية حيث دخل في حرب عبثية مع إيران راح ضحيتها مليون قتيل بين
الجيشين استخدم خلالها الكيماوي والبيولوجي التي زوده بها الأمريكان واستمرت الحرب تستنزف ثروات العراق ثمان
سنوات خرج منها العراق محطما و مديونا ومنهكا بعد أن كان جيشه من أقوى الجيوش على
مستوى العالم ولم يمض سنتين وإلا وقد دخل في مغامرة أخرى وخيانة للأمة العربية
والإسلامية واحتل جارته الضعيفة التي طالما أمدته بالمليارات دون حساب في حربه
الكارثية ضد الإيرانيين التي خرج منها خالي الوفاض
فقد أعطته السفيرة الأمريكية في
بغداد الضوء الأخضر لغزو الكويت وبعد أن احتل جارته العربية المسلمة
وجدت أمريكا الفرصة الذهبية التي
لطالما حلمت بها والمبرر الذي تبحث عنه وأنشأت القواعد العسكرية الدائمة في الخليج
بحجة تحرير الكويت وتم تحطيم ما بقي من قوة في الجيش العراقي وخرج صدام كالعادة ذليلا
يجر أذيال الهزيمة أمام أسياده الأمريكان
ناهيك عن العقوبات الاقتصادية
التي فرضت على العراق وبرنامج الغذاء والدواء مقابل النفط الذي أهلك الشعب العراقي
حتى مات مئات الآلاف من الأطفال والنساء والفقراء المستضعفين بسبب الأوبئة
والسرطانات التي انتشرت بسبب الأسلحة المحرمة التي استخدمها الغرب ضد العراق بسبب
حماقات هذا العميل اللعين وما تسبب به من فقر وعوز وجوع لبلد يعتبر من أغنى بلدان
العالم في ثرواته وأنهاره وحضارته وموقعه والقوة البشرية الهائلة والعقليات
الجبارة وأصبحت العراق بيئة طاردة لعلماء الفلك والفيزياء والرياضيات والكوزملوجي ناهيك عن
الذين اغتالهم وشردهم
وجرائمه ضد الأكراد السنة في
حلبجة عندما ضربهم بغاز الخردل والكيماوي الأمريكي
وقتله للشرفاء والمناضلين من
السنة والشيعة حتى قرر الأمريكان التخلص من هذا الجرذ الذي اختبأ في حفرة في باطن
الأرض بدل أن يرفع بندقيته ويقاتل بشرف كما يفعل الشرفاء الشجعان ولكنه كان
متشبثا بالحياة والعمالة لآخر رمق من حياته لدرجة أنه كان يساوم الأمريكان على تسليمهم
كل شيء في مقابل إبقائه على رأس السلطة والحكم وقد أشارت الأوبزرفر البريطانية في تقريرها
إلى تفاصيل المفاوضات بينه وبين أسياده الأمريكان الذين
رفضوا رفضا قاطعا وقرروا إنهاء
وجود هذا العميل لأنهم لم يعودوا بحاجة لخدماته
وكان الجزاء من جنس العمل فعاقبه
الله تجاه جرائمه أن جعله يرى حكمه يتهاوى بين يديه ثم قُتل أبنائه وهو حي ثم
أذاقه الويلات والخزي والعار عندما ألقي القبض عليه في حفرة كالجرذ المذعور وما لبث
أن تم شنقه كما شنق الأبرياء ظلما وعدوانا، فسبحانه ما أعدله وما أحكمه؛ فلا
تتعجبوا أن يأتي القطيع ويعتبر أن صدام هو بطل العرب الأوحد وفارس العروبة لأن
الإعلام والثقافة والمجتمع الذي جعل من بني أمية والعباسيين أبطالا ومنصفين وعظماء هو ذاته
بهيكله ونظامه ولم تتغير سياسته التي حولت المجتمع إلى مجتمع يمارس السادية تجاه الآخر ومكونات
الشعب ويتلذذ بالمازوخية الفكرية والثقافية والخنوع تجاه الطغاة والمتجبرين الذين
سيلعنهم التاريخ لعنة أبدية تجاه ما قاموا به من دمار وتخريب لبلدانهم وشعوبهم
وحضارتهم ...
حمدان آل مخلص