إمام الطهر والكرم
نمر في هذه الأيام بذكرىً حزينة وأليمة على قلب كل مؤمن ومحب للرسول والعترة النبوية القدسية المطهرة، ذكرى مازلنا نتجرع فيها المرارة والألم في ضمائرنا وتكاد الأفئدة تتفطر كما انفطر كبد صاحبها الذي تجرع السم مرار على يد الغدر والنفاق والغيلة والحيلة الأموية؛ هي ذكرى استشهاد الإمام الحسن بن علي المجتبى عليهما السلامه هو الطهر والشرف والخلق والأدب والكمال دينا وخلُقاً وخَلْقاً ونسبا وشموخا وكل مايرمز لأكمل وأجمل وأرفع القيم الإنسانية.
كيف لا؟
وأبوه الحيدرالكرار ذو الفقار.
وأمه الزهراء مشكاة الأنوار.
وجدته خديجة الكبرى.
وأخوه الحسين سيد الشهداء والأبرار.
وجده !
جده !
جده بأبي هو وأمي الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم سيد الأكون ومنبع البركات القدسية الشعشعانية على مر الدهور والأدوار.
عليهم الصلاة والسلام أجمعين.
ولو اجتمعت الجن والإنس لتنصف الحسن عليه السلام كتابة وشعرا ومعلقات فلن توفيه عشر معشار قدره فيا له من شرف ويا لها من قدسية وهو محاط بهذه النورانيات الإلٰهية.
ولد الإمام المعظم الحسن المجتبى عليه السلام في النصف من رمضان سنة ٣ هـ في المدينة المنورة وقد فرح الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فرحا عظيما بهذا المولود المبارك. وهو من سماه الحسن روحي لهما الفداء ومرت الأيام والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يوصي بأهل بيته ويخص الحسن والحسين عليهما السلام وكان يحبها حبا جما.
الله أكبر
ماأجمل هذا البيت الملائكي المبارك.
تخيلوا أعزائي؛
أهل الكساء عليهم السلام في بيت واحد وتحت سقف واحد وأنت تتمتع بالنظر إليهم.
أوليست هذه الجنة التي حاربها النواصب؟
قال تعالى (( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا))، فهل بعد كلام الله وقوله جدال؟ وهو الذي وصفهم بالمطهرين.
وماذا عن أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المتواترة في فضل هذا الإمام العظيم عليه السلام؟
وهي أحاديث متفق عليها عند جميع طوائف وفرق المسلمين فلم كل هذا النصب والقلوب المظلمة الشيطانية، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
عن الحسن عليه السلام: (( اللهم إني أحبه فأحبه))، ورب الكعبة أنني أحبه يارسول الله وأعشقه عشقا أبديا أزليا.
وكيف لا؟ وقد أحبه الله ورسوله والملائكة والبشر وبكت عليه السماء وصرخت من أجله الأرض
كيف لانحب من قال عنهم سيد البشر: (( من أحب الحسن والحسين فقدأحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني )) كم هو مزلزل هذا الحديث.
كيف تجرأ اللعين معاوية على بغضهما وتسميم الحسن عليه السلام والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يحذر من بغضهما لأنه بغض له والعياذ بالله من نار السعير التي تنتظر الطلقاء والمنافقين والمبغضين، كيف تدافعون عن الكفرة الفجرة وتترضون عنهم؟
وقد أبغضوا الرسول وعترته صلى الله عليه وآله وسلم وهل مثل هذا الإمام بجماله القدسي يُبغض والعياذ بالله من الكفر والتشيطن.
كان الإمام الحسن عليه السلام أشبه الناس بجده سمتا وخلقا.
حيث كان وجهه أبيضا مشربا بحمرة وكان من شدة جماله وشبهه بجده يجعل المهاجرين والأنصار يستلذون برؤية وجهه الذي يفوق جمال البدر في كماله وطلته البهية المؤنسة ليستحضروا جمال جده المصطفى عليهم الصلاة والسلام.
وأما حلمه وأخلاقه؛
فمن أين أبدأ ومالذي يمكنني قوله؟
أمام هذه القصة العجيبة التي لم تحدثنا بها فصول التاريخ منذ فجر البشرية ، حيث يروى أن جارية حيّت الحسن عليه السلام بطاقة من ريحان فتخيلوا ماذا كان رده فداه نفسي قال لها فورا ( أنت حرة لوجه الله) فاعترض عليه البعض كيف له أن يعتقها من أجل الريحان؟
فقال لهم: (أدبنا الله فقال: (( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كلّ شيءٍ حسيبا))
وما وجدت أحسن من إعتاقها).
سبحان من خلق هذا الإمام وكونه وجعل خلقه القرآن كما كان جده عليهم أفضل الصلاة والسلام.
وأما حلمه
فلن تنجب النساء أحلم ولاأصبر ولاأعظم من الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، فقد روي أن رجلا شاميا كان يسب الإمام الحسن عليه السلام وينال منه وسيدنا الحسن لايرد فلما فرغ من الشتم أقبل عليه الحسن عليه السلام وهو يبتسم ثم قال له (( أيّها الشّيخ أظنّك غريباً ولعلّك شبّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حرّكت رحلك إلينا وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك، لانّ لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً ». فلمّا سمع الرّجل كلامه بكى، ثمّ قال: « أشهد أنّك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته
نعم لاغرابة، فهذا الحسن المجتبى عليه صلوات الله وسلامه.
فقد روي أن الزهراء عليها السلام قالت: (( يارسول الله انحل ابنيك))، قال: (( نعم ، أما الحسن فقد نحلته هيبتي وعلمي وأما الحسين فقد نحلته جودي ونجدتي)).
وهذا شيء كرم وحلم وجمال لو وزع على المعمورة لما شهدنا الحروب ولاالقتل ولا الدمارولعم السلام كل بقعة على كوكب الأرض.
وأما كرمه؛
فقد كان كجده وأبيه وأمه عليهم أفضل الصلوات وأتم التسليم فقد كان أجود من الريح لدرجة أنه قسم ماله ثلاث مرات في حياته حتى أنه قسم نعاله الشريفة جعلت فداه، ألهذه الدرجة قد بلغ الحسن كل هذا السمو والجمال والبهاء والقدسية والملائكية هل مازلتم تعتقدون أنهم بشر عاديون؟
لا والله؛
هم خلق أرقى وأجمل وأكمل وأفضل وأتم ولن توفيهم حروف المعاجم والمجرات شيئا من صفاتهم ولن تبلغ مقدار جمالهم، فما الذي جرى؟
وكيف استشهد؟
وسأحاول أن أختصر قدر الإمكان، تولى الإمام الحسن عليه السلام الإمامة بعد استشهاد الإمام علي، وكانت التركة ثقيلة وقد أنهكت الحروب أصحاب الإمام علي عليه السلام واستشهد خيرتهم بعد معارك عدة من الجمل مع الناكثين والنهروان مع الخوارج وصفين مع معاوية الطليق المنافق و عمرو بن العاص وجيش الشام، فنهض الإمام الحسن عليه السلام بأعباء الأمة وذهب لملاقاة معاوية وحربه بعد أن بغى وطغى وتجبر على رقاب المسلمين
فقام معاوية بالحيلة والدسائس وقام جواسيسه بنشر الشائعات في صفوف جيش الإمام الحسن عليه السلام ثم قدم الرشاوى للخونة والعملاء الذين خانوا الإمام الحسن حتى وصل بهم الأمر أن ينهبوا رحله وغدروا به، فطلب معاوية الصلح معه ومع ذلك لم يرضخ الإمام رغم أنه بقي وحيدا مع ثلة قليلة جدا من المؤمنين، فماذا قال عليه السلام وقد تعمدت أن آتي بالدليل والخطبة من تاريخ ابن الأثير حتى نلجم من يدعي أن الإمام الحسن عليه السلام سلم لمعاوية الحكم من ذاته حيث ذكر ابن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ بعد مراسلة بين الإمام الحسن عليه السلام ومعاوية ، أن الحسن عليه السلام خطب في الناس، فحمد الله وأثنى عليه وقال:
((إنّا والله ما يثنينا عن أهل الشام شك ولا ندم، وإنما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر فشيبت السلامة بالعداوة، والصبر بالجزع، وكنتم في مسيركم إلى صفين ودينكم أمام دنياكم، وأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم، ألا وقد أصبحتم بين قتيلين: قتيل بصفين تبكون له، وقتيل بالنهروان تطلبون بثأره، وأما الباقي فخاذل، وأما الباكي فثائر، ألا وإن معاوية دعانا لأمر ليس فيه عزّ ولا نصفة، فإن أردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه إلى الله عز وجل، بظُبي السيوف، وإن أردتم الحياة قبلناه وأخذنا لكم الرضى)) فناداه الناس من كل جانب: البقية البقية!، وأمضى الصلُح.
انتهى كلام ابن الأثير
فهاهو الحسن عليه السلام يستنهضهم للنهوض لمحاربة هذا المنافق الطليق ولكنهم آثروا الراحة والعصيان والحياة الدنيا ولاحظوا أن ابن الأثير وصفه بالصلح، وليس كما يدعي نواصب العصر الحديث بأنه تنازل، وقد اشترط على معاوية أن يكون الأمر من بعده للحسن ثم الحسين عليهما السلام وأن يحكم بكتاب الله وسنة رسوله.
فماالذي جرى؟
قام معاوية بالغدر وليس غريبا على ابن هند صاحبة الرايات وابن أبي سفيان رأس الكفر والنفاق، فقام بإغراء جعدة بنت الأشعث الكندي لعنهم الله
ومنّاها بالزواج من يزيد وأنه سيسكنها في قصور الشام وأخذ يرسل لها أن تقوم بتسميم زوجها الحسن عليه السلام قبل أن يطلقها، فقامت اللعينة بنت اللعين بأمر اللعين الطليق فسقت السم للإمام الملائكي الطاهر وحبيب رسول الحسن المجتبى عليه السلام.
وقد أورد القاضي النعمان رضوان الله عليه هذه الرواية
فيقال : أنه خرج يوما على من عنده من أصحابه وهو عليل فقال (( والله ماخرجت إليكم حتى ألقيت من كبدي طائفة أقلتها بعود ولقد سقيت السم مرارا فما كان بأعظم علي من هذه المرة )) فقيل : ومن يك يابن رسول الله ؟ قال : (( وماتريدون من ذلك ؟)) قالوا : نطلبه بك، قال :(( إنكم لاتقدرون عليه ولكن الله بيني وبينه وعلم من حيث أتى )) وأسند الأمر للإمام الحسين عليه السلام، ثم أُستشهد بعدها وكان ذلك في سنة ٤٩ هـ.
يالله يالله يالله
هل رأيتم أو سمعتم بأحلم وأرحم من مولاي الحسن المجتبى الزكي الطاهر، بلغت به الرحمة ألا يخبر أصحابه عمن تسبب في قتله وإخراج كبده
يالهف نفسي، كيف تجرأوا على هذا الجمال الأزلي القدسي السرمدي.
أين قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (( أنا سلم لمن سالمتم وحرب لمن حاربتم)).
كيف ستواجه الأمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا سألهم عن هذا الغدر والقتل والفتك بأهل بيته بعد أن انتشل الأعراب الأجلاف من ظلمات الجهل والشر إلى نور الإسلام ورحابته وجماله والآية تقول: (( قل لاأسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى )).
بل إن جمال الإمام الحسن في أخلاقه وخلقه يجعل حتى الحجر ينطق بالأشعار والترانيم العذبة في حب هذا الطاهر المطهر.
فكيف يتجرأ من يدعي الإسلام أن يدافع عن معاوية الطليق وبنو أمية الشياطين الأشرار؟
عليك السلام يامولاي
مادارت الأفلاك وماتعاقبت الأكوار والأدوار
سلاما أزليا أبديا سرمديا
ستظل رمزا للجمال والطهر والشرف والعزيمة والشجاعة والإقدام
وستبقى نبراسا نقتدي به وتقتدي به البشرية جمعاء ومن على ظهرالكرة الأرضية قاطبة
فأنت منبع القداسة الخلقي
والجمال الروحاني النوراني الذي ينير القلوب والأفئدة بالأنوار الملكوتية القدسية
اللهم صلّ وبارك وسلم على سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وبارك وسلم
خادم العترة الطاهرة
حمدان آل مخلص